وأولى الأقوال في مبلغ عدد القوم الذين وصف الله خروجهم من ديارهم بالصواب، قول من حد عددهم بزيادة عن عشرة آلاف دون من حده بأربعة آلاف وثلاثة آلاف وثمانية آلاف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم كانوا ألوفا، وما دون العشرة آلاف لا يقال لهم ألوف، وإنما يقال: هم آلاف إذا كانوا ثلاثة آلاف فصاعدا إلى العشرة آلاف، وغير جائز أن يقال: هم خمسة ألوف، أو عشرة ألوف. وإنما جمع قليله على أفعال، ولم يجمع على أفعل مثل سائر الجمع القليل الذي يكون ثاني مفرده ساكنا للألف التي في أوله، وشأن العرب في كل حرف كان أوله ياء أو واوا ألفا اختيار جمع قليله على أفعال، كما جمعوا الوقت أوقاتا، واليوم أياما، واليسر أيسارا، للواو والياء اللتين في أول ذلك، وقد يجمع ذلك أحيانا على " أفعل " الا ان الفصيح من كلامهم ما ذكرنا، ومنه قول الشاعر:
كانوا ثلاثة آلف وكتيبة * ألفين أعجم من بني الفدام (1) وأما قوله: (حذر الموت) فإنه يعني: أنهم خرجوا من حذر الموت فرارا منه. كما:
4377 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال:
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حذر الموت) فرارا من عدوهم، حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه، فأمرهم فرجعوا وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل الله. وهم الذين قالوا لنبيهم: (ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) (2).
وإنما حث الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية على المواظبة على الجهاد في سبيل الله والصبر على قتال أعداء دينه، وشجعهم بإعلامه إياهم وتذكيره هلم أن الإماتة والاحياء بيديه وإليه دون خلقه، وأن الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الأعداء إلى التحصن في الحصون والاختباء في المنازل والدور غير منج أحدا من قضائه إذا حل بساحته، ولا دافع عنه أسباب منيته إذا نزل بعقوبته (3)، كما لم ينفع الهاربين من الطاعون الذين وصف الله تعالى ذكره صفتهم في قوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر