قال أبو جعفر: وغير جائز في قول الله تعالى ذكره: نقاتل في سبيل الله إذا قرئ بالنون غير الجزم على معنى المجازاة وشرط الامر. فإن ظن ظان أن الرفع فيه جائز وقد قرئ بالنون بمعنى الذي نقاتل في سبيل الله، فإن ذلك غير جائز لان العرب لا تضمر حرفين. ولكن لو كان قرئ ذلك بالياء لجاز رفعه، لأنه يكون لو قرئ كذلك صلة للملك، فيصير تأويل الكلام حينئذ: ابعث لنا الذي يقاتل في سبيل الله، كما قال تعالى ذكره: وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك لان قوله يتلو من صلة الرسول.
القول في تأويل قوله تعالى: قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين.
يعني تعالى ذكره بذلك: قال النبي الذي سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتلوا في سبيل الله: هل عسيتم هل تعدون إن كتب، يعني إن فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا؟ يعني أن لا تفوا بما تعدون الله من أنفسكم من الجهاد في سبيله؟ فإنكم أهل نكث وغدر، وقلة وفاء بما تعدون قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله يعني قال الملا من بني إسرائيل لنبيهم ذلك: وأي شئ يمنعنا أن لا نقاتل في سبيل الله عدونا وعدو الله، وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا بالقهر والغلبة؟
فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول أن في قوله: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وحذفه من قوله: وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم؟ قيل: هما لغتان فصيحتان للعرب، تحذف أن مرة مع قولنا ما لك، فتقول: ما لك لا تفعل كذا؟
بمعنى: ما لك غير فاعله، كما قال الشاعر:
ما لك ترعين ولا ترعو الخلف