بعض جبتك متخرقة، في ترك الخبر عما ابتدئ به الكلام إلى الخبر عن بعض أسبابه.
وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن صرف الكلام عن خبر من ابتدئ بذكره إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه، كما قال الشاعر:
لعلي إن مالت بي الريح ميلة * على ابن أبي ذبان أن يتندما فقال لعلي، ثم قال أن يتندما، لان معنى الكلام: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم إن مالت بي الريح ميلة عليه. فرجع بالخبر إلى الذي أراد به، وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره.
ومنه قول الشاعر:
ألم تعلموا أن ابن قيس وقتله * بغير دم دار المذلة حلت فألغى ابن قيس وقد ابتدأ بذكره، وأخبر عن قتله أنه ذل.
وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر الذين يتوفون متروك، وأن معنى الكلام: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم وزعم أنه لم يذكر موتهم كما يحذف بعض الكلام، وأن يتربصن رفع إذ وقع موقع ينبغي، وينبغي رفع. وقد دللنا على فساد قول من قال فرفع يتربصن بوقوعه موقع ينبغي فيما مضى، فأغنى عن إعادته.
وقال آخرون منهم: إنما لم يذكر الذين بشئ، لأنه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء: من يلقك منا يصيب خيرا، الذي يلقاك منا تصيب خيرا. قال: ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء، وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا.
وأما قوله: يتربصن بأنفسهن فإنه يعني به: يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج والطيب والزينة والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن أربعة أشهر وعشرا إلا أن يكن حوامل، فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن، فإذا وضعن حملهن انقضت عددهن حينئذ.