وإذ كان ذلك تأويل الآية عندهم، فالواجب على مذهبهم أن يكون معنى الآية في سورة المائدة: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم، واحفظوا أيمانكم.
وبنحو ما ذكرناه عن ابن عباس من القول في ذلك كان سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وجماعة أخر غيرهم يقولون، وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك آنفا.
وقال آخرون: المعنى الذي أوعد الله تعالى عباده المؤاخذة به بهذه الآية هو حلف الحالف على باطل يعلمه باطلا، وفي ذلك أوجب الله عندهم الكفارة دون اللغو الذي يحلف به الحالف وهو مخطئ في حلفه يحسب أن الذي حلف عليه كما حلف وليس ذلك كذلك.
ذكر من قال ذلك:
3553 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة:
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم يقول: بما تعمدت قلوبكم، وما تعمدت فيه المأثم، فهذا عليك فيه الكفارة.
3554 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله سواء.
وكأن قائلي هذه المقالة وجهوا تأويل مؤاخذة الله عبده على ما كسبه قلبه من الايمان الفاجرة، إلى أنها مؤاخذة منه له بها بإلزامه الكفارة فيه. وقال بنحو قول قتادة جماعة أخر في إيجاب الكفارة على الحالف اليمين الفاجرة، منهم عطاء والحكم.
3555 - حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء والحكم أنهما كانا يقولان فيمن حلف كاذبا متعمدا: يكفر.
وقال آخرون: بل ذلك معنيان: أحدهما مؤاخذ به العبد في حال الدنيا بإلزام الله إياه الكفارة منه، والآخر منهما مؤاخذ به في الآخرة، إلا أن يعفو. ذكر من قال ذلك:
3556 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم أما ما كسبت قلوبكم: فما عقدت قلوبكم، فالرجل يحلف على اليمين يعلم أنها كاذبة إرادة أن يقضي أمره. والايمان ثلاثة: اللغو،