والمحال، وإنما يستدل على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها. ألا ترى أن سائلا لو سأل آخر فقال: أين مالك؟ لقال بمكان كذا، ولو قال له: أين أخوك؟ لكان الجواب أن يقول: ببلدة كذا، أو بموضع كذا، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله، فيعلم أن أين مسألة عن المحل. ولو قال قائل لآخر: كيف أنت؟ لقال: صالح أو بخير أو في عافية، وأخبره عن حاله التي هو فيها، فيعلم حينئذ أن كيف مسألة عن حال المسؤول عن حاله. ولو قال له: أنى يحيي الله هذا الميت؟ لكان الجواب أن يقال: من وجه كذا ووجه كذا، فيصف قولا نظير ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال: أنى يحيى هذه الله بعد موتها فعلا حين بعثه من بعد مماته. وقد فرقت الشعراء بين ذلك في أشعارها، فقال الكميت بن زيد:
تذكر من أنى ومن أين شربه * يؤامر نفسية كذي الهجمة الإبل وقال أيضا:
أنى ومن أين نابك الطرب * من حيث لا صبوة ولا ريب فيجاء ب " أنى " للمسألة عن الوجه و ب " أين: للمسألة عن المكان، فكأنه قال: من أي وجه ومن أي موضع راجعك الطرب.
والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره: فأتوا حرثكم أنى شئتم كيف شئتم، أو تأوله بمعنى حيث شئتم، أو بمعنى متى شئتم، أو بمعنى أين شئتم أن قائلا لو قال لآخر: أنى تأتي أهلك؟ لكان الجواب أن يقول: من قبلها أو من دبرها، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت: أنى لك هذا أنها قالت: هو من عند الله. وإذ