والعلم بها. والهاء في قوله أوتوه عائدة على الكتاب الذي أنزله الله. من بعد ما جاءتهم البينات يعني بذلك: من بعد ما جاءتهم حجج الله وأدلته أن الكتاب الذي اختلفوا فيه وفي أحكامه عند الله، وأنه الحق الذي لا يسعهم الاختلاف فيه، ولا العمل بخلاف ما فيه.
فأخبر عز ذكر عن اليهود من بني إسرائيل أنهم خالفوا الكتاب التوراة، واختلفوا فيه على علم منهم، ما يأتون متعمدين الخلاف على الله فيما خالفوه فيه من أمره وحكم كتابه.
ثم أخبر جل ذكره أن تعمدهم الخطيئة التي أنزلها، وركوبهم المعصية التي ركبوها من خلافهم أمره، إنما كان منهم بغيا بينهم. والبغي مصدر من قول القائل: بغى فلان على فلان بغيا إذا طغى واعتدى عليه فجاوز حده، ومن ذلك قيل للجرح إذا أمد، وللبحر إذا كثر ماؤه ففاض، وللسحاب إذا وقع بأرض فأخصبت: بغى كل ذلك بمعنى واحد، وهي زيادته وتجاوز حده. فمعنى قوله جل ثناؤه: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم من ذلك. يقول: لم يكن اختلاف هؤلاء المختلفين من اليهود من بني إسرائيل في كتابي الذي أنزلته مع نبي عن جهل منهم به، بل كان اختلافهم فيه، وخلاف حكمه من بعد ما ثبتت حجته عليهم بغيا بينهم، طلب الرياسة من بعضهم على بعض، واستذلالا من بعضم لبعض. كما: 3228 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ثم رجع إلى بني إسرائيل في قوله: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه يقول: إلا الذين أوتوا الكتاب والعلم من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم يقول: بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها وزينتها، أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس. فبغى بعضهم على بعض، وضرب بعضهم رقاب بعض.
ثم اختلف أهل العربية في من التي في قوله: من بعد ما جاءتهم البينات ما حكمها ومعناها؟ وما المعنى المنتسق في قوله وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم؟ فقال بعضهم: من ذلك للذين أوتوا الكتاب وما بعده صلة له.
غير أنه زعم أن معنى الكلام: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغيا بينهم من بعد ما جاءتهم البينات. وقد أنكر ذلك بعضهم فقال: لا معنى لما قال هذا القائل، ولا لتقديم البغي قبل من، لان من إذا كان الجالب لها البغي، فخطأ أن تتقدمه لان البغي مصدر، ولا تتقدم