وأما قوله: بإذنه فإنه يعني جل ثناؤه بعلمه بما هداهم له، وقد بينا معنى الاذن إذ كان بمعنى العلم في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا.
وأما قوله: والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فإنه يعني به: والله يسدد من يشاء من خلقه ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه، كما هدى الذين آمنوا بمحمد (ص)، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه بغيا بينهم، فسددهم لإصابة الحق والصواب فيه.
وفي هذه الآية البيان الواضح على صحة ما قاله أهل الحق من أن كل نعمة على العباد في دينهم أو دنياهم، فمن الله عز وجل.
فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه أهداهم للحق أم هداهم للاختلاف؟ فإن كان هداهم للاختلاف فإنما أضلهم، وإن كان هداهم للحق فكيف قيل: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه؟ قيل: إن ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه، وإنما معنى ذلك: فهدى الله الذين آمنوا للحق فيما اختلف فيه من كتاب الله الذين أوتوه، فكفر بتبديله بعضهم، وثبت على الحق والصواب فيه بعضهم، وهم أهل التوراة الذين بدلوها، فهدى الله للحق مما بدلوا وحرفوا الذين آمنوا من أمة محمد (ص).
قال أبو جعفر: فإن أشكل ما قلنا على ذي غفلة، فقال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كما قلت، ومن إنما هي في كتاب الله في الحق واللام في قوله: لما اختلفوا فيه وأنت تحول اللام في الحق، ومن في الاختلاف في التأويل الذي تتأوله فتجعله مقلوبا؟ قيل: ذلك في كلام العرب موجود مستفيض، والله تبارك وتعالى إنما خاطبهم بمنطقهم، فمن ذلك قول الشاعر:
كانت فريضة ما تقول كما * كان الزناء فريضة الرجم وإنما الرجم فريضة الزنا. وكما قال الآخر:
إن سراجا لكريم مفخره * تحلى به العين إذا ما تجهره وإنما سراج الذي يحلى بالعين، لا العين بسراج.