فعل الرب تبارك وتعالى الذي قد تقدم ذكرناه، فإنه له مخالف في صفة الملائكة وذلك أن الواجب من القراءة على تأويل قول عكرمة هذا في الملائكة الخفض، لأنه تأول الآية: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة، لأنه زعم أن الله تعالى يأتي في ظلل من الغمام والملائكة حوله. هذا إن كان وجه قوله والملائكة حوله، إلى أنهم حول الغمام، وجعل الهاء في حوله من ذكر الغمام وإن كان وجه قوله: والملائكة حوله إلى أنهم حول الرب تبارك وتعالى، وجعل الهاء في حوله من ذكر الرب عز جل، فقوله نظير قول الآخرين الذين قد ذكرنا قولهم غير مخالفهم في ذلك.
وقال آخرون: بل قوله في ظلل من الغمام من صلة فعل الملائكة، وإنما تأتي الملائكة فيها، وأما الرب تعالى ذكره فإنه يأتي فيما شاء. ذكر من قال ذلك:
3209 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة... الآية، قال:
ذلك يوم القيامة، تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام. قال: الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والرب تعالى يجئ فيما شاء.
وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من وجه قوله: في ظلل من الغمام إلى أنه من صلة فعل الرب عز وجل، وأن معناه: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وتأتيهم الملائكة. لما:
3210 - حدثنا به محمد بن حميد، قال: ثنا إبراهيم بن المختار، عن ابن جريج، عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي (ص) قال: إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا وذلك قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر.
وأما معنى قوله: هل ينظرون فإنه ما ينظرون، وقد بينا ذلك بعلله فيما مضى من كتابنا هذا قبل. ثم اختلف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فقال بعضهم: لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجئ والآتيان والنزول، وغير جائز تكلف القول في ذلك لاحد إلا بخبر من الله جل جلاله، أو من رسول مرسل. فأما القول في صفات الله وأسمائه، فغير جائز لاحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا.