ذلك حين عرض على آدم خلقه. وجائز أن يكون كان ذلك في وقت غير ذلك. ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر يثبت به الحجة على أي هذه الأوقات كان ذلك، فغير جائز أن نقول فيه إلا ما قال الله عز وجل من أن الناس كانوا أمة واحدة، فبعث الله فيهم لما اختلفوا الأنبياء والرسل. ولا يضرنا الجهل بوقت ذلك، كما لا ينفعنا العلم به إذا لم يكن العلم به لله طاعة، غير أنه أي ذلك كان، فإن دليل القرآن واضح على أن الذين أخبر الله عنهم أنهم كانوا أمة واحدة، إنما كانوا أمة واحدة على الايمان ودين الحق دون الكفر بالله والشرك به. وذلك أن الله عز وجل قال في السورة التي يذكر فيها يونس: وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون فتوعد جل ذكره على الاختلاف لا على الاجتماع، ولا على كونهم أمة واحدة، ولو كان اجتماعهم قبل الاختلاف كان على الكفر ثم كان الاختلاف بعد ذلك، لم يكن إلا بانتقال بعضهم إلى الايمان، ولو كان ذلك كذلك لكان الوعد أولى بحكمته جل ثناؤه في ذلك الحال من الوعيد لأنها حال إنابة بعضهم إلى طاعته، ومحال أن يتوعد في حال التوبة والإنابة، ويترك ذلك في حال اجتماع الجميع على الكفر والشرك.
وأما قوله: فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فإنه يعني أنه أرسل رسلا يبشرون من أطاع الله بجزيل الثواب، وكريم المآب ويعني بقوله ومنذرين ينذرون من عصى الله فكفر به، بشدة العقاب، وسوء الحساب والخلود في النار وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه يعني بذلك ليحكم الكتاب وهو التوراة بين الناس فيما اختلف المختلفون فيه فأضاف جل ثناؤه الحكم إلى الكتاب، وأنه الذي يحكم بين الناس دون النبيين والمرسلين، إذ كان من حكم من النبيين والمرسلين بحكم، إنما يحكم بما دلهم عليه الكتاب الذي أنزل الله عز وجل، فكان الكتاب بدلالته على ما دل وصفه على صحته من الحكم حاكما بين الناس، وإن كان الذي يفصل القضاء بينهم غيره.
القول في تأويل قوله تعالى: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعدما جاءتهم البينات بغيا بينهم.
يعني جل ثناؤه بقوله: وما اختلف فيه وما اختلف في الكتاب الذي أنزله وهو التوراة، إلا الذين أوتوه يعني بذلك اليهود من بني إسرائيل، وهم الذين أوتوا التوراة