بالرفع على معنى: وتأتيهم الملائكة، ويبين عن خطأ قراءة من قرأ ذلك بالخفض لأنه أخبر (ص) أن الملائكة تأتي أهل القيامة في موقفهم حين تفطر السماء قبل أن يأتيهم ربهم في ظلل من الغمام، إلا أن يكون قارئ ذلك ذهب إلى أنه عز وجل عنى بقوله ذلك: إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وفي الملائكة الذين يأتون أهل الموقف حين يأتيهم الله في ظلل من الغمام فيكون ذلك وجها من التأويل وإن كان بعيدا من قول أهل العلم ودلالة الكتاب وآثار رسول الله (ص) الثابتة.
القول في تأويل قوله تعالى: وقضي الامر وإلى الله ترجع الأمور.
يعني جل ثناؤه بذلك: وفصل القضاء بالعدل بين الخلق، على ما ذكرناه قبل عن أبي هريرة عن النبي (ص): من أخذ الحق لكل مظلوم من كل ظالم، حتى القصاص للجماء من القرناء من البهائم.
وأما قوله: وإلى الله ترجع الأمور فإنه يعني: وإلى الله يئول القضاء بين خلقه يوم القيامة والحكم بينهم في أمورهم التي جرت في الدنيا من ظلم بعضهم بعضا، واعتداء المعتدي منهم حدود الله، وخلاف أمره، وإحسان المحسن منهم، وطاعته إياه فيما أمره به، فيفصل بين المتظالمين، ويجازي أهل الاحسان بالاحسان، وأهل الإساءة بما رأى، ويتفضل على من لم يكن منهم كافرا فيعفو ولذلك قال جل ثناؤه: وإلى الله ترجع الأمور وإن كانت أمور الدنيا كلها والآخرة من عنده مبدؤها وإليه مصيرها، إذ كان خلقه في الدنيا يتظالمون، ويلي النظر بينهم أحيانا في الدنيا بعض خلقه، فيحكم بينهم بعض عبيده، فيجور بعض، ويعدل بعض، ويصيب واحد، ويخطئ واحد، ويمكن من تنفيذ الحكم على بعض، ويتعذر ذلك على بعض لمنعة جانبه وغلبته بالقوة.
فأعلم عباده تعالى ذكره أن مرجع جميع ذلك إليه في موقف القيامة، فينصف كلا من كل، ويجازي حق الجزاء كلا، حيث لا ظلم ولا ممتنع من نفوذ حكمه عليه، وحيث يستوي الضعيف والقوي، والفقير والغني، ويضمحل الظلم وينزل سلطان العدل.
وإنما أدخل عز وجل الألف واللام في الأمور لأنه جل ثناؤه عنى بها جميع الأمور، ولم يعن بها بعضا دون بعض، فكان ذلك بمعنى قول القائل: يعجبني العسل، والبغل أقوى من الحمار، فيدخل فيه الألف واللام، لأنه لم يقصد به قصد بعض دون بعض، إنما يراد به العموم والجمع. القول في تأويل قوله تعالى: