على الحالق رأسه من أذى هديا، وإنما أوجب عليه نسكا أو إطعاما أو صياما، وحيثما نسك أو أطعم أو صام فهو ناسك ومطعم وصائم، وإذا دخل في عداد من يستحق ذلك الاسم كان مؤديا ما كلفه الله، لان الله لو أراد من إلزام الحالق رأسه في نسكه بلوغ الكعبة لشرط ذلك عليه، كما شرط في جزاء الصيد، وفي ترك اشتراط ذلك عليه دليل واضح، أنه حيث نسك أو أطعم أجزأ.
وأما علة من قال: النسك بمكة والصيام والاطعام حيث شاء، فالنسك دم كدم الهدي، فسبيله سبيل هدي قاتل الصيد.
وأما الاطعام فلم يشترط الله فيه أن يصرف إلى أهل مسكنة مكان دون مكان، كما شرط في هدي الجزاء بلوغ الكعبة، فليس لأحد أن يدعي أن ذلك لأهل مكان دون مكان، إذ لم يكن الله شرط ذلك لأهل مكان بعينه، كما ليس لأحد أن يدعى أن ما جعله الله من الهدي لساكني الحرم لغيرهم، إذ كان الله قد خص أن ذلك لمن به من أهل المسكنة.
والصواب من القول في ذلك، أن الله أوجب على حالق رأسه من أذى من المحرمين فدية من صيام أو صدقة أو نسك، ولم يشترط أن ذلك عليه بمكان دون مكان، بل أبهم ذلك وأطلقه، ففي أي مكان نسك أو أطعم أو صام فيجزي عن المفتدي وذلك لقيام الحجة على أن الله إذ حرم أمهات نسائنا فلم يحصرهن على أنهن أمهات النساء المدخول بهن لم يجب أن يكن مردودات الاحكام على الربائب المحصورات على أن المحرمة منهن المدخول بأمها، فكذلك كل مبهمة في القرآن غير جائز رد حكمها على المفسرة قياسا، ولكن الواجب أن يحكم لكل واحدة منهما بما احتمله ظاهر التنزيل إلا أن يأتي في بعض ذلك خبر عن الرسول (ص) بإحالة حكم ظاهره إلى باطنه، فيجب التسليم حينئذ لحكم الرسول، إذ كان هو المبين عن مراد الله. وأجمعوا على أن الصيام مجزئ عن الحالق رأسه من أذى حيث صام من البلاد.
واختلفوا فيما يجب أن يفعل بنسك الفدية من الحلق، وهل يجوز للمفتدي الأكل منه أم لا؟ فقال بعضهم ليس للمفتدي أن يأكل منه، ولكن عليه أن يتصدق بجميعه. ذكر من قال ذلك:
2746 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك، عن عطاء، قال: ثلاث لا يؤكل منهن: جزاء الصيد، وجزاء النسك، ونذر المساكين.