(فمن اضطر غير باغ ولا عاد) يقول: من غير أن يبتغي حراما ويتعداه، ألا ترى أن يقول:
(فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (1).
2058 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: أن يأكل ذلك بغيا وتعديا عن الحلال إلى الحرام، ويترك الحلال وهو عنده، ويتعدى بأكل هذا الحرام هذا التعدي، ينكر أن يكونا مختلفين، ويقول هذا وهذا واحد.
وقال آخرون: تأويل ذلك (فمن اضطر غير باغ) في أكله شهوة (ولا عاد) فوق ما لابد له منه. ذكر من قال ذلك:
2059 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) أما باغ فيبغي فيه شهوته، وأما العادي: فيتعدى في أكله، يأكل حتى يشبع، ولكن يأن منه قدر ما يمسك به نفسه حتى يبلغ به حاجته.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: (فمن اضطر غير باغ) بأكله ما حرم عليه من أكله (ولا عاد) في أكله، وله عن ترك أكله بوجود غيره مما أحله الله له مندوحة وغنى، وذلك أن الله تعالى ذكره لم يرخص لاحد في قتل نفسه بحال، وإذ كان ذلك كذلك فلا شك أن الخارج على الامام والقاطع الطريق وإن كانا قد أتيا ما حرم الله عليهما من خروج هذا على من خرج عليه وسعي هذا بالافساد في الأرض، فغير مبيح لهما فعلهما ما فعلا مما حرم الله عليهما ما كان حرم الله عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك من قتل أنفسهما، بل ذلك من فعلهما وإن لم يودهما إلى محارم الله عليهما تحريما فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما، فإن كان ذلك كذلك، فالواجب على قطاع الطريق والبغاة على الأئمة العادلة، الأربعة إلى طاعة الله، والرجوع إلى ما ألزمهما الله الرجوع إليه، والتوبة من معاصي الله لا قتل أنفسهما بالمجاعة، فيزدادان إلى إثمهما إثما، وإلى خلافهما أمر الله خلافا.
وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه غير باغ في أكله شهوة، فأكل ذلك شهوة لا لدفع الضرورة المخوف منها الهلاك مما قد دخل فيما حرمه الله عليه، فهو بمعنى ما قلنا في تأويله، وإن كان للفظة مخالفا.