وأولى التأويل عندي بالآية التأويل الأول الذي قاله ابن عباس ومن وافقه عليه وهو أن معنى الآية: ومثل وعظ الكافر وواعظه كمثل الناعق بغنمه ونعيقه، فإن يسمع نعقه ولا يعقل كلامه على ما قد بينا قبل.
فأما وجه جواز حذف وعظ اكتفاء بالمثل منه فقد أتينا على البيان عنه في قوله:
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا وفي غيره من نظائره من الآيات بما فيه الكفاية عن إعادته. وإنما اخترنا هذا التأويل، لان هذه الآية نزلت في اليهود، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بها، ولم تكن اليهود أهل أوثان يعبدونها ولا أهل أصنام يعظمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرها. ولا وجه إذ كان ذلك كذلك لتأويل من تأول ذلك أنه بمعنى: مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إياها.
فإن قال قائل: وما دليلك على أن المقصود بهذه الآية اليهود؟ قيل: دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها، فإنهم هم المعنيون به، فكان ما بينهما بأن يكون خبرا عنهم أحق وأولى من أن يكون خبرا عن غيرهم حتى تأتي الأدلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. هذا مع ما ذكرنا من الاخبار عمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت، والرواية التي روينا عن ابن عباس أن الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم. وبما قلنا من أن هذه الآية معني بها اليهود كان عطاء يقول.
2037 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا إلى قوله: فما أصبرهم على النار.
وأما قوله ينعق فإنه يصوت بالغنم النعيق والنعاق، ومنه قول الأخطل:
فانعق بضأنك يا جرير فإنما * منتك نفسك في الخلاء ضلالا يعني: صوت به. القول في تأويل قوله تعالى: صم بكم عمي فهم لا يعقلون.