فتذهب، وأما الذي ينعق فهو الراعي الغنم كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له، إلا أن يدعى أو ينادى، فكذلك محمد (ص) يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام يقول الله: صم بكم عمي.
ومعنى قائلي هذا القول في تأويلهم ما تأولوا على ما حكيت عنهم: ومثل وعظ الذين كفروا وواعظهم كمثل نعق الناعق بغنمه ونعيقه بها. فأضيف المثل إلى الذين كفروا، وترك ذكر الوعظ والواعظ لدلالة الكلام على ذلك، كما يقال: إذا لقيت فلانا فعظمه تعظيم السلطان، يراد به كما تعظم السلطان، وكما قال الشاعر:
فلست مسلما ما دمت * حيا على زيد بتسليم الأمير يراد به: كما يسلم على الأمير. وقد يحتمل أن يكون المعنى على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء: ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم الذي لا يفقه من الأمر والنهي غير الصوت، وذلك أنه لو قيل له: اعتلف أو رد الماء لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله فكذلك الكافر، مثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه بسوء تدبره إياه وقلة نظره وفكره فيه، مثل هذا المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارج على الناعق، كما قال نابغة بني ذبيان:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي * على وعل في ذي المطارة عاقل والمعنى: حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي، وكما قال الآخر:
كانت فريضة ما تقول كما * كان الزناء فريضة الرجم