إلى تبوك وما اجتمعت لي راحلتان قط الا في ذلك اليوم، فكنت أقول: أخرج غدا، أخرج بعد غد، فاني مقوى وتوانيت وبقيت بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله أياما ادخل السوق فلا أقضي حاجة، فلقيت هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقنا أن نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة، فما زلنا نقول: نخرج غدا وبعد غد حتى بلغنا اقبال رسول الله صلى الله عليه وآله، فندمنا فلما وافى رسول الله استقبلناه نهنيه بالسلامة فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام وأعرض عنا، وسلمنا على اخواننا فلم يردوا علينا السلام، فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا، وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد ولم يكلمنا فجاءت نساؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا أفنعتزلهم؟ فقال رسول الله: لا تعتزلوهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل لهم، قال: ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله ولا اخواننا ولا أهلونا؟
فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة وقد كانوا يصومون وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية.
ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم، فبقوا على هذه الحالة أياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله عز وجل أن يغفر لهم، فلما طال عليهم الامر قال لهم كعب: قد سخط الله عز وجل علينا ورسوله صلى الله عليه وآله قد سخط علينا، واخواننا قد سخطوا علينا، وأهلونا قد سخطوا علينا فلا يكلمنا أحد، فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عز وجل عليه، فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه، فلما كان في الليلة الثالثة ورسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم قال في هؤلاء الثلاثة: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا " فقال العالم عليه السلام: انما أنزل الله: " وعلى الثلاثة الذين خالفوا " ولو خلفوا لم يكن عليهم عتب " حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت " حيث لم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ولا اخوانهم ولا أهلوهم، فضاقت المدينة عليهم حتى خرجوا منها " وضاقت عليهم أنفسهم " حتى حلفوا ان لا يكلم بعضهم