وقال ابن شهاب: كان سلف المؤمنين على جواز شهادة كل ذي قرابة لمن تقرب منه وعليه حتى دخل الناس فيما بعدهم وظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم فتركت شهادة من يتهم إذا كان من أقربائهم.
والاعتماد في المنع من شهادة الأقارب على التهمة التي تلحق لأجل النسب غير صحيح، لأنه يلزم على ذلك أن لا تقبل شهادة الصديق لصديقه ولا الجار لجاره، لان التهمة متطرقة. على أن العدالة مانعة من التهمة وحاجزة عنها.
وما روي عن النبي عليه السلام من أنه لا يجوز قبول شهادة المتهم والخصم والخائن والأجير له ما لم يفارقه ولا شهادة من خالف من أهل البدع وإن كان على ظاهر السنن والعفاف. فليس ذلك مستخرجا من اجتهاد أو عفاف، وانما هو أيضا نص الهي به. ويمكن أن يستدل من الآيات المتقدمة على ذلك، وقال تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)، فبين عليه السلام كما علمه الله تعالى.
(فصل) أما شهادات القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا فقد ذكرنا أن دليلنا قوله تعالى (واشهدوا ذوي عدل منكم)، فشرط - كما ترى - العدالة وأن يكون من جملة المؤمنين بقوله (منكم)، لا أن يكون عدلا عند نحلته وأهل ملته ولم يشترط سواها ويدخل في عموم هذا ذو القرابات كلهم.
وقوله (واستشهدوا شهيدين) يدل أيضا على هذه المسألة.
وما يقول المخالف: الولد جزء من أبيه، فكأنه شهد لنفسه إذا شهد لما هو بعضه. فهذا غير محصل، لان الولد - وإن كان مخلوقا من نطفة أبيه - ليس ببعض له على الحقيقة، بل لكل واحد منهما حكم يخالف حكم صاحبه. وكذلك يسترق