وهذا الوجه فيه بعد، لان النبي لا يجور في الحكم ولا يميل إلى أحد الخصمين، سواء كان غنيا أو فقيرا، لان ذلك ينافي عصمته.
فعلى هذا لا بأس بشهادة الأخ لأخيه وعليه، وشهادة الوالد لولده وعليه، وشهادة الرجل لزوجته وعليها، وكذا لا بأس بشهادتها له وعليه فيما يجوز قبول شهادة النساء فيه إذا كان مع كل واحد منهم غيره من أهل الشهادة.
ولا تقبل شهادة واحد منهم لصاحبه مع يمينه كما جاز مع الأجنبي، فأما شهادة الولد لوالده وعليه فالمرتضى يجيزها أيضا على كل حال، وإذا كان معه غيره من أهل الشهادات فظاهر الآية معه. وان كانت شهادة الانسان على نفسه مجازا لأنها اقرار على نفسه، وشهادته على أقربائه والوالدين حقيقة، فان الكلمة الواحدة تذكر ويراد بها الحقيقة والمجاز معا إذ لا مانع. وجمهور فقهائنا أيضا على ذلك، لعموم الآيتين اللتين قدمناهما، الا شهادة الولد على والده فإنهم لا يجوزونها لخبر يروونه.
وعذرهم في تأويل هذه الآية ما روي عن ابن عباس أنه قال: ان الله تعالى أمير المؤمنين بهذه الآية أن يقولوا الحق على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم لا يميلون إلى غني لغناه ولا إلى فقير لفقره. قالوا: وهذا أولى، لأنه أليق بالظاهر على كل وجه من غير عدول عنه، وهو أمر بقبول الحق وفعله وملازمة العدل والامر به.
(فصل) ومما يؤكد القول الأول ما روي عن الحسن أنه قال: يعنى بالآية الشهادة خاصة، وقوله (ولو على أنفسكم) أي ولو كانت شهادتكم تضر في الحال أنفسكم في الحال أو المآل، لان على يقتضي ذلك.
ومعنى (كنوا شهداء لله) أي ليكن شهادتكم لأجل رضاء الله ولما أمر الله به وهو القسط.