أمره، وعلما بأن الكتاب يحكم له عليهم، وأنهم لو حاكموا عليا في أول ما دعاهم إلى ما في القرآن لوجدوه من السابقين الأولين من المهاجرين، ووجدوه من المجاهدين الذين لا يقاس به القاعدون، ومن المؤمنين بالغيب، ومن أولياء الله الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن العلماء الذين يتقون الله حق تقاته، ومن الموفين بالنذر المطعمين على حب الله المسكين واليتيم والأسير (١)، ووجدوا أباه أبا طالب أشد من حامى رسول الله، ووجدوا معاوية في الطلقاء وأبناء الطلقاء، فلما نابهم حر القتل أمر برفع المصاحف.
وكان علي عليه السلام يقول لأهل العراق - حين قالوا له: يا أمير المؤمنين قد أنصفك حين دعاك إلى ما في الكتاب فإن لم تجبه إلى ذلك شددنا مع العدو عليك فان الله يقول ﴿فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول﴾ (٢) - فقال علي عليه السلام: كلمة حق يراد بها باطل، اصبروا على ابن هند ساعة يفتح الله لكم.
ولما لم ينجع كلامه منهم وأبى الذين فسدت قلوبهم من أصحابه الا النزول عند حكم معاوية وضع علي عليه السلام نفسه موضع المستضعفين المعذورين وعمل على قول الله ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ (٣)، وكانوا يشتدون عليه ليجيب معاوية إلى ما كان يدعو إليه من التحكيم حتى قال: لا رأي لمن لا يطاع.
وقد بين الله عذر علي عليه السلام في ذلك بقوله ﴿الان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين﴾ (4) الآية.
فألف من المؤمنين إذا قاتلوا ألفين من الكافرين هم اكفاء بعضهم لبعض، فإذا استأمن رجل واحد من المؤمنين مرتدا إلى الكفار وصار الكفار زيادة على الألفين