ذلك بهم، لتجزى كل نفس بما كسبت، ان كسبت خيرا بأن آمنت وأطاعت، أثابها الله بالنعيم المقيم، وان كسبت شرا بأن كفرت وجحدت، عاقبها بالعذاب الأليم في نار الجحيم، * (إن الله سريع الحساب) * أي: سريع المجازاة، وقد سبق بيانه * (هذا بلاغ للناس) * هو إشارة إلى القرآن، عن ابن عباس، والحسن، وابن زيد، وغيرهم، أي: هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية، وقيل: هو إشارة إلى ما تقدم ذكره أي: هذا الوعيد كفاية لمن تدبره من الناس، والأول هو الصحيح.
* (ولينذروا به) * أي: أنزل ليبلغوا وينذروا به، وليخوفوا بما فيه من الوعيد * (وليعلموا أنما هو إله واحد) لا شريك له بالنظر في أدلة التوحيد التي بينها الله في القرآن * (وليذكر أولوا الألباب) * أي: وليتعظ به أهل العقول، وذوو النهى. وفي هذه الآية دلالة على أن القرآن كاف في جميع ما يحتاج الناس إليه في أمور الدين، لأن جميع أمور الدين جملها وتفاصيلها، يعلم بالقرآن، إما بنفسه، وإما بواسطة، فيجب على المؤمن المجتهد المهتم بأمور الدين أن يشمر عن ساق الجد في طلب أمور القرآن، ويصدق عنايته بمعرفة ما فيه من بدائع الحكمة، ومواضع البيان، مكتفيا به عما سواه، لينال السعادة في دنياه وعقباه.
وفي قوله: * (وليعلموا أنما هو إله واحد) * دلالة على أنه سبحانه أراد من الناس علم التوحيد، خلافا لأهل الجبر في قولهم انه سبحانه أراد من النصارى إثبات التثليث، ومن الزنادقة القول بالتثنية، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وفي قوله * (ليذكر) * دلالة على أنه أراد من الجميع التدبر والتذكر، وعلى أن العقل حجة، لأن غير ذوي العقول لا يمكنهم الفكر، والاعتبار.
النظم: اتصلت الآية الثانية بقوله * (وعند الله مكرهم) * أي: فلا تحسبوا أن الله يخلف وعده. بل يجازيهم، وينصر رسله، وقيل: اتصلت بقوله * (إنما يؤخرهم) * أي: فلا تحسبوه مخلف وعده في العقوبة للكفار، بل إن شاء أخر وإن شاء عجل، واتصل قوله * (يوم تبدل الأرض غير الأرض) * بقوله * (ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله) * أي: لا يخلفهم وعده، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، عن أبي مسلم.
وقيل: المراد به أنه ذو انتقام من الكفار، ذلك اليوم، واتصل قوله: * (ليجزي الله كل نفس بما كسبت) *، بقوله: * (يوم تبدل الأرض) *.