والثاني: إن البيت قد كان قبل ذلك، وإنما خربه طسم وجديس (1). وقيل: انه رفعه الله إلى السماء أيام الطوفان، وإنما سماه المحرم، لأنه لا يستطيع أحد الوصول إليه إلا بالإحرام. وقل: لأنه حرم فيه ما أحل في غيره من البيوت من الجماع والملابسة بشئ من الأقذار والدماء، وقيل: معناه: العظيم الحرمة * (ربنا ليقيموا الصلاة) * أي: أسكنتهم هذا الوادي ليداوموا على الصلاة، ويقيموا بشرائطها. واللام تتعلق بقوله * (أسكنت) *، وفصل بينه وبين ما تعلق بقوله * (ربنا) *، لأن الفصل بالنداء مستحب في هذا، وإذا جاء نحو قوله:
على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب (2) أي: أندل المال يا زريق، ففصل بالنداء بين المصدر، وما تعلق به كان هذا أولى * (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) هذا سؤال من إبراهيم عليه السلام أن يجعل الله قلوب الخلق تحن إلى ذلك الموضع، ليكون في ذلك أنس لذريته بمن يرد عليهم من الوفود، وليدر أرزاقهم على مرور الأوقات، ولولا لطفه سبحانه بإمالة قلوب الناس إليه، إما للدين كالحج والعمرة، وإما للتجارة، لما صح أن يعيش ساكنوه.
قال سعيد بن جبير: لو قال أفئدة الناس، لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه قال * (من الناس) *، فهم المسلمون. وروى مجاهد أنه قال: إن إبراهيم عليه السلام لو قال أفئدة الناس، لازدحمت عليه فارس والروم، وروى الفضل بن يسار وغيره، عن الباقر عليه السلام أنه قال: إنما أمر الناس أن يطوفوا بهذه الأحجار، ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم، ويعرضوا علينا نصرهم، ثم قرأ هذه الآية. وقيل: إن معنى تهوي إليهم: ينزع إليهم، ويميل، عن ابن عباس، وقتادة، وقيل: معناه وينزل ويهبط إليهم، لأن مكة في غور، عن أبي مسلم.
* (وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) * أي: لكي يشكروا لك، ويعبدوك * (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن) * هذا اعتراف من إبراهيم عليه السلام لله سبحانه بأنه