وقد يجوز أن يكون جبرائيل. وليس قوله * (من تحتها) * يراد به الجهة السفلى. وإنما المراد من دونها بدلالة قوله * (قد جعل ربك تحتك سريا) * ولم يكن النهر محاذيا لهذه الجهة، ولكن المعنى جعله دونك. وقد يقال: فلان تحتنا أي: دوننا في الموضع.
والأشبه أن يكون المنادي لها عيسى، فإنه أشد إزالة لما خامر قلبها من الاغتمام.
وإذا قال * (من تحتها) * كان عاما، وضع موضع الخاص، والمراد به عيسى. قال:
والوجوه كلها كما في * (تساقط) * متفقة في المعنى إلا قراءة حفص. ألا ترى أن من قرأ * (تساقط) * إنما هي تتساقط، فحذف التاء التي يدغمها غيره، وكلهم جعل فاعل الفعل الذي هو تساقط، أو تساقط، في رواية حفص، النخلة. ويجوز أن يكون فاعل تساقط أو تساقط، هي جذع النخلة، إلا أنه لما حذف المضاف، أسند الفعل إلى النخلة في اللفظ. فأما تعديتهم تساقط فهو تفاعل، لأن تفاعل مطاوع فاعل.
فكما عدي نحو تفعل في نحو تجرعته وتمززته، فكذلك عدى تفاعل فمما جاء من ذلك في الشعر قول أوفى بن مطر:
تخاطأت النبل أحشاءه، * وأخر يومي فلم يعجل (1) وقول الآخر:
تطالعنا خيالات لسلمى * كما يتطالع الدين الغريم وقول امرئ القيس:
ومثلك بيضاء العوارض طفلة * لعوب تناساني إذا قمت سر بالي (2) أراد تنسيني. ومن قرأ بالياء أمكن أن يكون فاعله الهز، لأن قوله * (هزي) * قد دل عليه. فإذا كان كذلك، جاز أن يضمره، كما أضمر الكذب في قوله (من كذب كان شرا له) ويمكن أن يكون الجذع. ويجوز في الفعل إذا أسند إلى الجذع وجهان أحدهما: إن الفعل أضيف إلى الجذع كما أضيف إلى النخلة برمتها، لأن الجذع معظمها والآخر: أن يكون الجذع منفردا عن النخلة، يسقط عليها، ويكون سقوط الرطب من الجذع آية لعيسى عليه السلام، ويصير سقوط الرطب من الجذع أسكن لنفسها،