فلا كل ما ترجو من الخير كائن، ولا كل ما ترجو من الشر واقع * (فليعمل عملا صالحا) * أي: خالصا لله تعالى يتقرب به إليه * (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * غيره من ملك، أو بشر، أو حجر، أو شجر، عن الحسن. وقيل: معناه لا يرائي في عبادته أحدا، عن سعيد بن جبير. وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إني أتصدق، وأصل الرحم، ولا أصنع ذلك إلا لله، فيذكر ذلك مني، وأحمد عليه، فيسرني ذلك، وأعجب به! فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يقل شيئا فنزلت الآية. قال عطاء: عن ابن عباس: إن الله تعالى قال: * (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * ولم يقل، ولا يشرك به، لأنه أراد العمل الذي يعمل لله، ويحب أن يحمد عليه. قال: ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها، كيلا يعظمه من يصله بها. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: قال الله، عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برئ) فهو للذي أشرك. أورده مسلم في الصحيح. وروي عن عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، قالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: من صلى صلاة يرائي بها، فقد أشرك، ومن صام صوما يرائي به، فقد أشرك، ثم قرأ هذه الآية. وروي أن أبا الحسن الرضا عليه السلام، دخل يوما على المأمون، فرآه يتوضأ للصلاة، والغلام يصب على يده الماء، فقال: لا تشرك بعبادة ربك أحدا! فصرف المأمون الغلام، وتولى إتمام وضوئه بنفسه. وقيل: إن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن. وروى الشيخ أبو جعفر بن بابويه بإسناده عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: ما من عبد يقرأ * (قل إنما أنا بشر مثلكم) * إلى آخره، إلا كان له نورا في مضجعه إلى بيت الله الحرام، فإن كان من أهل البيت الحرام، كان له نورا إلى بيت المقدس. وقال أبو عبد الله عليه السلام: ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النوم، إلا يتيقظ في الساعة التي يريدها.
النظم: وجه اتصال الآية الثانية وهي قوله: * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) * بما قبلها، أنه لما تقدم الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وعقب ذلك سبحانه ببيان أن مقدوراته لا تتناهى، وأنه قادر على ما يشاء في أفعاله وأوامره، على حسب المصالح، فمن الواجب على المكلف أن يمتثل أمره ونهيه، ويثق بوعده، ويتقي وعيده.