* (نزلا) * أي منزلا ومأوى. وقيل: ذات نزول * (خالدين فيها) * أي: دائمين فيها * (لا يبغون عنها حولا) * أي: لا يطلبون عن تلك الجنات تحولا إلى موضع آخر لطيبتها، وحصول مرادهم فيها. ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: * (قل) * يا محمد لجميع المكلفين * (لو كان البحر) * وهو اسم الجنس أي: لو كان البحر بمائه * (مدادا لكلمات ربي) * أي: مدادا ليكتب به ما يقدر الله عليه من الكلام والحكم. وقيل:
أراد بالكلمات ما يقدر سبحانه على أن يخلقه من الأشياء، ويأمر به، كما قال في عيسى عليه السلام: * (وكلمته ألقاها إلى مريم) *. وقيل: أراد بالكلمات ما وعد لأهل الثواب، وأوعد لأهل العقاب، عن أبي مسلم * (لنفد البحر) * أي: لفني ماء البحر * (قبل أن تنفد كلمات ربي) * وقيل: إن كلماته المراد بها مقدوراته، وحكمته، وعجائبه. وقوله: * (ولو جئنا بمثله مددا) * أي. ولو جئنا بمثل البحر مددا له أي:
عونا وزيادة، لما نفد ذلك. وقيل: أراد بكلمات ربي: معاني كلمات ربي، وفوائدها، وهي القرآن، وسائر كتبه، ولم يرد بذلك أعيان الكلمات، لأنه قد فرغ من كتابتها، فيكون تقدير قل لو كان البحر مدادا لكتابة معاني كلمات ربي، لنفد البحر قبل أن تنفد كتابة معاني كلمات ربي. فحذف، لأن المعنى مفهوم. والمداد:
هو الجائي والآتي شيئا بعد شئ. قال ابن الأنباري: سمي المداد مدادا لإمداده الكاتب. ويقال للزيت الذي يوقد به السراج مدادا. وروى عكرمة، عن ابن عباس قال لما نزل قوله * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * قالت اليهود: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، وفيها علم كثير، فأنزل الله هذه الآية. ولذلك قال الحسن: أراد بالكلمات العلم، فإنه لا يدرك، ولا يحصى، ونظيره * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) * الآية.
ثم قال: * (قل) * يا محمد * (إنما أنا بشر مثلكم) * قال ابن عباس: علم الله نبيه لتواضع، لئلا يزهى على خلقه، فأمره أن يقر على نفسه بأنه آدمي كغيره، إلا أنه أكرم بالوحي، وهو قوله * (يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * لا شريك له أي: لا فضل لي عليكم إلا بالدين والنبوة ولا علم لي إلا ما علمنيه الله تعالى * (فمن كان يرجوا لقاء ربه) * أي: فمن كان يطمع في لقاء ثواب ربه، ويأمله، ويقر بالبعث إليه، والوقوف بين يديه. وقيل: معناه فمن كان يخشى لقاء عقاب ربه. وقيل: إن الرجاء يشتمل على كلا المعنيين الخوف والأمل. وأنشد في ذلك قول الشاعر: