المعنى: * (كهيعص) * قد بينا في أول البقرة اختلاف العلماء في الحروف المعجم التي في أوائل السور، وشرحنا أقوالهم هناك. وحدث عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: إن كاف: من كريم. وها: من هاد.
وياء: من حكيم. وعين: من عليم. وصاد: من صادق. وفي رواية عطا، والكلبي عنه: إن معناه كاف لخلقه، هاد لعباده، يده فوق أيديهم، عالم ببريته، صادق في وعده. وعلى هذا فإن كل واحد من هذه الحروف يدل على صفة من صفات الله، عز وجل. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في دعائه: أسألك يا كهيعص. * (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) * أي: هذا خبر رحمة ربك زكريا عبده، ويعني بالرحمة: إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد. وزكريا اسم نبي من أنبياء بني إسرائيل، كان من أولاد هارون بن عمران أخي موسى بن عمران. وقيل: إن معناه ذكر ربك عبده بالرحمة * (إذ نادى ربه نداء خفيا) * أي: حين دعا ربه دعاء خفيا خافيا، سرا غير جهر، يخفيه في نفسه، لا يريد به رياء. وفي هذا دلالة على أن المستحب في الدعاء الإخفاء، وأن ذلك أقرب إلى الإجابة. وفي الحديث: (خير الدعاء الخفي وخير الرزق ما يكفي). وقيل إنما أخفاه لئلا يهزأ به الناس، فيقول:
انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد على الكبر. * (قال رب إني وهن العظم مني) * أي:
ضعف، وإنما أضاف الوهن إلى العظم، لأن العظم مع صلابته إذا ضعف وتناقص، فكيف باللحم والعصب. وقيل: إنما خص العظم، لأنه شكا ضعف البطش.
والبطش إنما يكون بالعظم دون اللحم وغيره.
* (واشتعل الرأس شيبا) * معناه: إن الشيب قد عم الرأس، وهو نذير الموت، عن أبي مسلم. وقيل: معناه تلألأ الشيب في رأسي لكثرته، عن ابن الأنباري وصف حاله خضوعا، وتذللا، لا تعريفا. * (ولم أكن بدعائك رب شقيا) * أي: ولم أكن بدعائي إياك فيما مضى مخيبا محروما. والمعنى: إنك قد عودتني حسن الإجابة، وما خيبتني فيما سألتك، ولا حرمتني الاستجابة فيما دعوتك، فلا تخيبني فيما أسألك، ولا تحرمني إجابتك فيما أدعوك. يقال: شقي فلان بحاجته: إذا تعب بسببها، ولم يحصل مطلوبه منها.
* (وإني خفت الموالي) * وهم الكلالة، عن ابن عباس. وقيل: العصبة عن مجاهد. وقيل هم: العمومة وبنو العم، عن أبي جعفر عليه السلام. وقيل: بنو العم،