تكرر هذا القول في القرآن، لأجل ما بعده مما يحتاج اتصاله به، فهو كالمعنى الذي يفيد أمرا في مواضع كثيرة للاخبار عنه باخبار مختلفة. وقوله (كان من الجن) من قال: إن إبليس لم يكن من الملائكة، استدل بهذا، لان الجن غير الملائكة، كما أنهم غير الانس. ومن قال: إنه كان من الملائكة، قال: إن المعنى كان من الذين يستترون عن الابصار، مأخوذ من الجن: وهو الستر. وقيل: كان من قبيل من الملائكة، يقال لهم الجن، كانوا خزان الجنان فأضيفوا إليها، كقولك كوفي بصري. وضعف الأولون هذين الوجهين، لان لفظ الجن إذا أطلق، فالمفهوم منه هذا الجنس المعروف، لا الملائكة.
(ففسق عن أمر ربه) أي خرج عن طاعة ربه. ثم خاطب الله سبحانه المشركين، فقال: (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) معناه:
أفتتبعون أمر إبليس، وأمر ذريته، وتتخذونهم أولياء تتولونهم بالطاعة من دوني، وهم جميعا أعداء لكم! والعاقل حقيق بان يتهم عدوه على نفسه. وهذا استفهام بمعنى الانكار والتوبيخ قال مجاهد: ذريته الشياطين. وقال الحسن: الجن من ذريته (بئس للظالمين بدلا) تقديره: بئس البدل للظالمين بدلا، ومعناه: بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس، عن الحسن. وقيل: بئس البدل طاعة الشيطان عن طاعة الرحمن، عن قتادة. (وما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) أي ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض، ولا خلق، أنفسهم، مستعينا بهم على ذلك ولا استعنت ببعضهم على خلق بعض. وهذا إخبار عن كمال قدرته، واستناده عن الأنصار والأعوان. ويدل عليه قوله (وما كنت متخذ المضلين عضدا) أي: الشياطين الذين يضلون الناس أعوانا يعضدونني عليه، وكثيرا ما يستعمل العضد بمعنى العون، وإنما وحده هنا لوفاق الفواصل. وقيل: إن معنى الآية أنكم اتبعتم الشيطان كما يتبع من يكون عنده عليم لا ينال إلا من جهته، وانا ما أطلعتهم على خلق السماوات والأرض، ولا على خلق، أنفسهم، ولم اعطهم العلم بأنه كيف تخلق الأشياء، فمن أين تتبعونهم؟ وقيل: معناه ما أحضرت مشركي العرب، وهؤلاء الكفار، خلق السماوات والأرض، ولا خلق أنفسهم، أي: وما أحضرت بعضهم خلق بعض، بل لم يكونوا موجودين فخلقتهم، فمن أين قالوا: إن الملائكة بنات الله؟ ومن أين ادعوا ذلك؟