وقيل: يحشرون على هذه الصفة عميا، كما عموا عن الحق في دار الدنيا بكما جزاء على سكوتهم عن كلمة الإخلاص، وصما لتركهم سماع الحق، وإصغائهم إلى الباطل. قال مقاتل: هذا حين يقال لهم اخسأوا فيها، ولا تكلموني. وقيل:
يحشرون كذلك ثم يجعلون يبصرون، ويسمعون، وينطقون، عن الحسن.
* (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) * أي: مستقرهم جهنم، كلما سكن التهابها، زدناهم اشتعالا، فيكون كذلك دائما. ومتى قيل: كيف يبقى الحي حيا في تلك الحالة من الاحتراق دائما؟ قلنا: إن الله تعالى قادر على أن يمنع وصول النار إلى مقاتلهم * (ذلك) * أي: ذلك الذي تقدم ذكره من العقاب * (جزاؤهم) * استحقوه * (بأنهم كذبوا) * [كذا في النسخ، والصواب كفروا] (1) * (بآياتنا) * أي: بتكذيبهم بآيات الله. * (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا) * مثل التراب مترضضين * (أإنا لمبعوثون خلقا جديدا) * مر معناه في هذه السورة * (أو لم يروا) * أي: أو لم يعلموا * (أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم) * لأن القادر على الشئ، قادر على أمثاله إذا كان له مثل، أو أمثال في الجنس، وإذا كان قادرا على خلق أمثالهم، كان قادرا على إعادتهم، إذ الإعادة أهون من الانشاء في الشاهد. وقيل:
أراد قادر على أن يخلقهم ثانيا، وأراد بمثلهم إياهم، وذلك أن مثل الشئ مساو له في حالته، فجاز أن يعبر به عن الشئ نفسه. يقال: مثلك لا يفعل كذا، بمعنى أنت لا تفعله، ونحوه * (ليس كمثله شئ) * وتم الكلام ههنا.
ثم قال سبحانه: * (وجعل لهم أجلا لا ريب فيه) * أي: وجعل لإعادتهم وقتا لا شك فيه أنه كائن لا محالة. وقيل: معناه وضرب لهم مدة ليتفكروا ويعلموا فيها أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة. وقيل: وجعل لهم أجلا يعيشون إليه، ويخترمون عنده لا شك فيه * (فأبى الظالمون) * لنفوسهم، الباخسون حقها بفعل المعاصي. * (إلا كفورا) * أي: جحودا بآيات الله ونعمه. وفي الآية دلالة على أن القادر على الشئ يجب أن يكون قادرا على جنس مثله، إذا كان له مثل، وعلى أنه يجب أن يكون قادرا على ضده، لأن منزلته في المقدور منزلة مثله. وفيه دلالة أيضا على أنه يقدر على إعادته إذا كان مما يفنى، وتصح عليه الإعادة.