* (كذلك يضرب الله الحق والباطل) * أي: مثل الحق والباطل. وضرب المثل تسييره في البلاد حتى يتمثل به في الناس * (فأما الزبد فيذهب جفاء) * أي: باطلا متفرقا بحيث لا ينتفع به * (وأما ما ينفع الناس) * هو الماء الصافي، والأعيان التي ينتفع بها * (فيمكث في الأرض) * فينتفع به الناس، فمثل المؤمن واعتقاده كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شئ به، وكمثل نفع الذهب والفضة، وسائر الأعيان المنتفع بها، ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزبد الذي يذهب جفاء، وكمثل خبث الحديد، وما تخرجه النار من وسخ الذهب والفضة الذي لا ينتفع به.
* (كذلك يضرب الله الأمثال) * للناس في أمر دينهم. قال قتادة: هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد، شبه نزول القرآن بالماء الذي ينزل من السماء، وشبه القلوب بالأودية والأنهار، فمن استقصى في تدبره، وتفكر في معانيه، أخذ حظا عظيما منه كالنهر الكبير الذي يأخذ الماء الكثير، ومن رضي بها أداه إلى التصديق بالحق على الجملة كان أقل حظا منه كالنهر الصغير، فهذا مثل. ثم شبه الخطوات ووساوس الشيطان بالزبد يعلو على الماء، وذلك من خبث التربة، لا عين الماء. كذلك ما يقع في النفس من الشكوك فمن ذاتها، لا من ذات الحق. يقول:
فكما يذهب الزبد باطلا، ويبقى صفوة الماء، كذلك يذهب مخايل الشك هباء باطلا، ويبقى الحق، فهذا مثل ثان. والمثل الثالث قوله: * (ومما توقدون عليه في النار) * إلى آخره، فالكفر مثل هذا الخبث الذي لا ينتفع به، والإيمان مثل الماء الصافي الذي ينتفع به. وتم الكلام عند قوله: * (يضرب الله الأمثال) *.
ثم استأنف بقوله * (للذين استجابوا لربهم الحسنى) * عن الحسن والبلخي.
وقيل: بل يتصل بما قبله، لأن معناه: ان الذي يبقى مثل الذين استجابوا لربهم، والذي يذهب جفاء مثل الذي لا يستجيب. والمراد به للذين استجابوا دعوة الله، وآمنوا به وأطاعوه، الحسنى، وهي الجنة، عن الحسن والجبائي. وقيل: معناه الخصلة الحسنى، والحالة الحسنى، وهي صفة الثواب والجنة أيضا، عن أبي مسلم * (والذين لم يستجيبوا له) * أي: لله، فلم يؤمنوا به * (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) * أي: جعلوا ذلك فدية أنفسهم من العذاب، لم يقبل ذلك منهم * (أولئك لهم سوء الحساب) * قيل فيه أقوال أحدها: ان سوء الحساب أخذهم بذنوبهم كلها من دون ان يغفر لهم شئ منها، عن إبراهيم النخعي، ويؤيد ذلك ما