مجاهد: لو أنفق مدا في باطل كان مبذرا، ولو أنفق جميع ماله في الحق، لم يكن مبذرا. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لعناية: كن زاملة للمؤمنين، وإن خير المطايا أمثلها وأسلمها ظهرا، ولا تكن من المبذرين.
* (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) * معناه إن المسرفين أتباع الشياطين سالكون طريقهم. وهذا كما يقال لمن لازم السفر هو أخو السفر. وقيل معناه: إنهم قرناء الشياطين في النار. * (وكان الشيطان لربه كفورا) * أي: كان الشيطان في قديم مذهبه كثير الكفر مرة بعد أخرى. * (وإما تعرضن عنهم) * أي: وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم عند مسألتهم إياك، لأنك لا تجد ذلك حياء منهم * (ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) * أي: لتبتغي الفضل من الله، والسعة التي يمكنك معها البذل بأمل تلك السعة، وذلك الفضل. * (فقل لهم قولا ميسورا) * أي: عدهم عدة حسنة، وقل لهم قولا سهلا لينا يتيسر عليك.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لما نزلت هذه الآية إذا سئل، ولم يكن عنده ما يعطي، قال: يرزقنا الله وإياكم من فضله * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) * أي:
لا تكن ممن لا يعطي شيئا، ولا يهب، فتكون بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الإعطاء والبذل وهذا مبالغة في النهي عن الشح والإمساك * (ولا تبسطها كل البسط) * أي: ولا تعط أيضا جميع ما عندك، فتكون بمنزلة من بسط يده، حتى لا يستقر فيها شئ. وهذا كناية عن الإسراف * (فتقعد ملوما) * تلوم نفسك وتلام * (محسورا) * منقطعا به، وليس عندك شئ، عن السدي، وابن عباس. وقيل عاجزا نادما عن قتادة وقيل: محسورا من الثياب. والمحسور: العريان عن أبي عبد الله عليه السلام، وقيل: معناه إن أمسكت قعدت ملوما مذموما، وإن أسرفت بقيت متحسرا مغموما، عن الجبائي. وقال الكلبي: لا تعط ما عندك جميعا، فيجئ الآخرون يسألونك، فلا تجد ما تعطيهم فيلومونك.
وروي أن امرأة بعثت ابنها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالت: قل له إن أمي تستكسيك درعا، فإن قال: حتى يأتينا شئ، فقل له: إنها تستكسيك قميصك!
فأتاه فقال ما قالت له. فنزع قميصه فدفعه إليه، فنزلت الآية. ويقال: إنه عليه السلام بقي في البيت إذ لم يجد شيئا يلبسه، ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة، فلامه الكفار، وقالوا: إن محمدا اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة.