تخاصم الملائكة عن نفسها، وتحتج بما ليس فيه حجة، وتقول: والله ربنا ما كنا مشركين. ويقول أتباعهم: ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ويحتمل أن يكون المراد أنها تحتج عن نفسها بما تقدر به إزالة العقاب عنها * (وتوفى كل نفس ما عملت) * أي: جزاء ما عملت من خير وشر * (وهم لا يظلمون) * في ذلك * (وضرب الله مثلا قرية) * أي: مثل قرية * (كانت آمنة) * أي: ذات أمن، يأمن فيها أهلها، لا يغار عليهم * (مطمئنة) * قارة ساكنة بأهلها، لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف، أو ضيق.
* (يأتيها رزقها رغدا من كل مكان) * أي يحمل إليها الرزق الواسع من كل موضع، ومن كل بلد، كما قال سبحانه: * (يجبى إليه ثمرات كل شئ) * * (فكفرت بأنعم الله) * أي فكفر أهل تلك القرية بأنعم الله، ولم يؤدوا شكرها * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) * أي: فأخذهم الله بالجوع والخوف بصنيعهم، وسوء فعالهم.
وسمى أثر الجوع والخوف لباسا، لأن أثر الجوع والهزال يظهر على الانسان كما يظهر اللباس. وقيل: لأنهم شملهم الجوع والخوف، كما يشمل اللباس البدن.
وقيل: إن هذه القرية هي مكة، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا القد والعلهز، وهو الوبر، يخلط بالدم، والقراد، ثم يؤكل، وهم مع ذلك خائفون وجلون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، يغيرون عليهم قوافلهم، ذلك حين دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم فقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعل عليهم سنين كسني يوسف. وقيل إنها قرية كانت قبل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بعث الله إليهم نبيا، فكفروا بذلك النبي وقتلوه، فعذبهم الله بعذاب الاستئصال * (ولقد جاءهم رسول منهم) * يعني أهل مكة، بعث الله عليهم رسولا من صميمهم، ليتبعوه، لا من غيرهم * (فكذبوه) * وجحدوا نبوته * (فأخذهم العذاب وهم ظالمون) * أي: في حال كونهم ظالمين، وعذابهم ما حل بهم من الجوع والخوف المذكورين في الآية المتقدمة، وما نالهم يوم بدر وغيره، من القتل. ومن قال: إن المراد بالقرية غير مكة، قال: هذه صورة القرية المذكورة. ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال: * (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) * صيغته صيغة الأمر، والمراد به الإباحة، أي: كلوا مما أعطاكم الله من الغنائم، وأحلها لكم * (واشكروا نعمة الله) * فيما خلقه لكم، وأحله