الصفح الجميل) * أي: فأعرض يا محمد عن مجازاة المشركين، وعن مجاوبتهم، واعف عنهم عفوا جميلا.
واختلف في الآية فقيل: إنها منسوخة بآية القتال، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والضحاك. وقيل: لا نسخ فيه، بل هو فيما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبينهم، لا فيما أمر به من جهة جهادهم. أمره بالصفح عنهم في موضع الصفح لقوله * (فأعرض عنهم وعظهم) *، عن الحسن. قال القاضي: والصفح ممدوح في سائر الحالات، وهو كالحلم والتواضع، وقد يلزمنا الصفح الجميل مع لزوم التشديد في أمر الجهاد، وحكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الصفح الجميل هو العفو من غير عتاب.
وقيل: هو العفو بغير تعنيف، وتوبيخ * (إن ربك هو الخلاق) * للأشياء * (العليم) * بتدبير خلقه، فلا يخفى عليه ما يجري بينكم. ويجوز أن يريد: إن ربك هو الذي خلقكم، وعلم ما هو الأصلح لكم، وقد علم أن الصفح أصلح الآن إلى أن يؤمر بالسيف.
ثم ذكر سبحانه ما خص به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، من النعم، فقال: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * وقد تقدم الكلام فيه وإن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب، وهو قول علي عليه السلام، وابن عباس، والحسن، وأبي العالية، وسعيد بن جبير، وإبراهيم، ومجاهد، وقتادة، وروي ذلك عن أبي عبد الله، وأبي جعفر عليهما السلام. وقيل: هي السبع الطوال، وهي السور السبع، من أول القرآن، وإنما سميت مثاني لأنه يثني فيها الأخبار والعبر، عن ابن عباس، في رواية أخرى، وابن مسعود، وابن عمر، والضحاك. وقيل: المثاني القرآن كله لقوله * (كتابا متشابها مثاني) *، عن أبي مالك، وطاوس. وروي نحو ذلك عن ابن عباس، ومجاهد.
ومن قال: هي فاتحة الكتاب، اختلفوا في سبب تسميتها مثاني، فقيل: لأنها تثنى قراءتها في الصلاة، عن الحسن، وأبي عبد الله عليه السلام. وقيل: لأنها تثني بها مع ما يقرأ من القرآن، عن الزجاج. وقيل: لأن فيها الثناء مرتين، وهو الرحمن الرحيم، وقيل: لأنها مقسومة بين الله وعبده، عل ما روي في الخبر. وقيل: لأن نصفها ثناء، ونصفها دعاء. وقيل: لأنها نزلت مرتين تعظيما وتشريفا لها. وقيل:
لأن حروفها كلها مثناة، نحو الرحمن الرحيم، إياك وإياك، والصراط وصراط.
وقيل: لأنها تثني أهل الفسق عن الفسق. ومن قال المراد بالمثاني القرآن كله فإن من