ولا حجة عندنا على أهل هذه المقالة في حديث بن عباس الذي ذكرنا فإنه يجوز أن يكون الذي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسم لأبي بكر من أجله هو أن التعبير الذي صوبه في بعضه وخطأه في بعضه لم يكن ذلك منه من جهة الوحي ولكن من جهة ما يعبر له الرؤيا كما نهى أن توطأ الحوامل على الاشفاق منه أن يضر ذلك بأولادهم فلما بلغه أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر بأولادهم أطلق ما كان حظر من ذلك وكما قال في تلقيح النخل ما أظن أن ذلك يغني شيئا فتركوه ونزعوا عنه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنما هو ظن ظننته إن كان يعني شيئا فليصنعوه فإنما أنا بشر مثلكم وإنما هو ظن ظننته والظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت قال الله عز وجل فلن أكذب على الله حدثنا بذلك يزيد بن سنان قال ثنا أبو عامر قال ثنا إسرائيل عن سماك عن موسى بن طلحة عن أبيه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما قاله من جهة الظن فهو كسائر البشر في ظنونهم وأن الذي يقوله عن الله عز وجل فهو الذي لا يجوز خلافه وكانت الرؤيا إنما تعبر بالظن والتحري وقد روى ذلك عن محمد بن سيرين واحتج بقول الله عز وجل وقال للذي ظن أنه ناج منهما فلما كان التعبير من هذه الجهة التي لا حقيقة فيها كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن يقسم عليه ليخبره بما يظنه صوابا على أنه عنده كذلك وقد يكون في الحقيقة بخلافه ألا ترى أن رجلا لو نظر في مسألة من الفقه واجتهد فأداه اجتهاده إلى شئ وسعه القول به ورد ما خالفه وتخطئة قائله إذا كانت الدلائل التي بها يستخرج الجواب في ذلك رافعة له ولو حلف على أن ذلك الجواب صواب كان مخطئا لأنه لم يكلف إصابة الصواب فيكون ما قاله هو الصواب ولكنه كلف الاجتهاد وقد يؤديه الاجتهاد إلى الصواب وإلى غير الصواب فمن هذه الجهة كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الحلف عليه ليخبره بصوابه ما هو لا من جهة كراهية القسم وقد روى في ذلك ما يدل على ما ذكرناه حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مثل حديث إسحاق بن الحسين غير أنه قال والله لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقسم فدل ذلك على أن ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحلف فيه على إخباره بصوابه أو خطئه في شئ
(٢٧٠)