فدل ذلك أن المعنى المنهي عنه في الآثار الأول خلاف هذا المعنى فإن قال قائل إن ما أجيز هو بيع الثمر في هذه الآثار لأنه مبيع مع غيره وليس في جواز بيعه مع غيره ما يدل على أن بيعه وحده كذلك لأنا قد رأينا أشياء تدخل مع غيرها في البيعات ولا يجوز إفرادها بالبيع من ذلك الطرق والأفنية تدخل في بيع الدور ولا يجوز أن تفرد بالبيع فجوابنا في ذلك وبالله التوفيق أن الطرق والأفنية تدخل في البيع وإن لم يشترط ولا يدخل الثمر في بيع النخل إلا أن يشترط فالذي يدخل في بيع غيره لا باشتراط هو الذي لا يجوز أن يكون مبيعا وحده والذي لا يكون داخلا في بيع غيره إلا باشتراط هو الذي إذا اشترط كان مبيعا فلم يجز أن يكون مبيعا مع غيره إلا وبيعه وحده جائزا ألا يرى أن رجلا لو باع دارا وفيها متاع أن ذلك المتاع لا يدخل في البيع وأن مشتريها لو اشترطه في شراءه الدار صار له باشتراطه إياه ولو كان الذي في الدار خمرا أو خنزيرا فاشترطه في البيع فسد البيع فكان لا يدخل في شراءه الدار باشتراطه في ذلك إلا ما يجوز له شراءه ولو اشترى وحده وكان الثمر الذي ذكرنا يجوز له اشتراطه مع النخل فلم يكن ذلك إلا لأنه يجوز بيعه وحده أو لا يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث وقرنه مع ذكره النخل من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فجعل المال للبائع إذا لم يشترطه المبتاع وجعله للمبتاع باشتراطه إياه وكان ذلك المال لو كان خمرا أو خنزيرا فسد بيع العبد إذا اشترطه فيه وإنما يجوز أن يشترط مع العبد من ماله ما يجوز بيعه وحده فأما ما لا يجوز بيعه وحده فلا يجوز اشتراطه في بيعه لأنه يكون بذلك مبيعا وبيع ذلك الشئ لا يصلح فذلك أيضا دليل صحيح على ما ذكرنا في الثمرة الداخلة في بيع النخل بالاشتراط أنها الثمار التي يجوز بيعها على الانفراد دون بيع النخل فثبت بذلك ما ذكرنا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة الله عليهما وكان محمد بن الحسن يذهب إلى أن النهي الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب هو بيع الثمر على أن يترك في رؤوس النخل حتى يبلغ ويتناهى وحتى يجد وقد وقع البيع عليه قبل التناهي فيكون المشتري قد ابتاع ثمرا ظاهرا وما ينميه نخل البائع بعد ذلك إلى أن يجد فذلك باطل قال فأما إذا وقع البيع بعد ما تناهى عظمه وانقطعت زيادته فلا بأس بابتياعه واشتراط تركه إلى حصاده وجداده
(٢٧)