فدل ذلك أن تلك الإشارة التي كانت منه في الصلاة لم تكن ردا وإنما كانت نهيا وهذا جائز فقد روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قد ذكرنا وقد روى عنه ما قد حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي قال ثنا الأعمش قال حدثني أبو سفيان قال سمعت جابرا رضي الله عنه يقول ما أحب أن أسلم على الرجل وهو يصلى ولو سلم علي لرددت عليه حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أحمد بن أشكاب رضي الله عنه قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش فذكر بإسناده مثله فهذا جابر بن عبد الله قد كره أن يسلم على المصلى وقد كان سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فأشار إليه فلو كانت الإشارة التي كانت من النبي صلى الله عليه وسلم ردا للسلام عليه إذ لما كره ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينهه عنه ولكنه إنما كره ذلك لان إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك كانت عنده نهيا منه له عن السلام عليه وهو يصلى فان قال قائل فقد قال جابر في حديثكم هذا ولو سلم على لرددت قيل له أفقال جابر لرددت في الصلاة قد يجوز أن يكون أراد بقوله لرددت أي بعد فراغي من الصلاة وقد دل على ذلك من مذهبه ما حدثنا علي بن زيد قال ثنا موسى بن داود قال ثنا همام قال سأل سليمان بن موسى عطاء أسألت جابرا عن الرجل يسلم عليك وأنت تصلى فقال لا ترد عليه حتى تقضى صلاتك فقال نعم قال أبو جعفر فدل ذلك أن الرد الذي أراد جابر رضي الله عنه في الحديث الأول هو الرد بعد الفراغ من الصلاة فقد وافق ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودل من معناه على ما ذكرناه وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذا نحو من ذلك حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا عارم قال ثنا جرير بن خازن عن قيس عن عطاء أن بن عباس رضي الله عنهما سلم عليه رجل وهو يصلى فلم يرد عليه شيئا وغمزه بيده فهذا بن عباس رضي الله عنهما أيضا لم يرد في صلاته على الذي سلم عليه وهو فيها ولكنه غمزه بيده على الكراهة منه لما فعل فلما كان عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وقد كانا سلما على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى قد كرها من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام على المصلى فثبت بذلك أن ما كان من إشارة النبي صلى الله عليه وسلم التي قد علمها منه لم تكن ردا وإنما كانت نهيا لان الصلاة ليست بموضع سلام لان السلام كلام فجوابه أيضا كذلك فلما كانت الصلاة ليست بموضع كلام يكون رد السلام لم يكن أيضا بموضع سلام وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسكين الأطراف في الصلاة
(٤٥٧)