فلما انتفى بحديث أبي هريرة هذا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بها في الثانية انتفى به أيضا أن يكون قرأ بها في الأولى فعارض هذا الحديث حديث نعيم بن المجمر وكان هذا أولى منه لاستقامة طريقه وفضل صحة مجيئه على مجئ حديث نعيم وقالوا وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي رواه بن أبي مليكة فقد اختلف الذين رووه في لفظه فرواه بعضهم على ما ذكرناه ورواه آخرون على غير ذلك كما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن يعلى أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعتت له قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفا حرفا ففي هذا أن ذكر قراءة بسم الله الرحمن الرحيم من أم سلمة تنعت بذلك قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر القرآن كيف كانت وليس في ذلك دليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فمعنى هذا غير معنى حديث بن جريج وقد يجوز أيضا أن يكون تقطيع فاتحة الكتاب الذي في حديث بن جريج كان من بن جريج أيضا حكاية منه للقراءة المفسرة حرفا حرفا التي حكاها الليث عن ابن أبي مليكة فانتفى بذلك أن يكون في حديث أم سلمة ذلك حجة لأحد وقالوا لهم أيضا فيما رووه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) أما ما ذكرتموه من أنها هي السبع المثاني فإنا لا ننازعكم في ذلك وأما ما ذكرتموه من أن بسم الله الرحمن الرحيم منها فقد روى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما كما ذكرتم وقد روى عن غيره ممن روينا عنه في هذا الباب ما يدل على خلاف ذلك أنه لم يجهر بها ولم يختلفوا جميعا أن فاتحة الكتاب سبع آيات فمن جعل بسم الله الرحمن الرحيم منها عدها آية ومن لم يجعلها منها عد أنعمت عليهم آية فلما اختلفوا في ذلك وجب النظر وسنبين ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وقد روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ما قد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا هوذة بن خليفة عن عوف عن يزيد الرقاشي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من السبع الطول وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما وجعلتموهما في السبع الطول ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم
(٢٠١)