وكانت المجالس العامرة في جبل عامل وفي جزين وفي بيته بالذات مدرسة حرة ومجالا واسعا لإبداء الرأي، وللمناقشات الفكرية التي ثمرتها تنمية القابليات.
ساعدت هذه العوامل مجتمعة على تفوق الشهيد على أقرانه وبشكل ملحوظ.
لقد كان الشهيد - رحمه الله - من الرحالين في طلب العلم، فطاف في كثير من البلدان الإسلامية كمكة المكرمة والمدينة المنورة ومصر وبيت المقدس ودمشق وبغداد.
وكان في كل مكان يحل فيه ينهل من دروس علمائه، فقد روى - فضلا عن علماء الشيعة - عن جمع من علماء أهل السنة، فقال في إجازته لابن الخازن:
إني أروي عن نحو أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام.
وهذا النص دليل واضح على أن الشهيد قد جمع علوم الشيعة والسنة في الحديث والفقه وبقية العلوم الإسلامية، وكان من جراء ذلك تبحره في علوم المذاهب الإسلامية، وتدريسه ومناقشته لكل المذاهب.
وبالرغم من قولنا بالتمايز بين معهدي الحلة الفيحاء، والجبل الأشم، فإن معالم تأثير الأول على الثاني واضح، لسبقه الزمني أولا ولقوة من يمثله ثانيا، ولأن الفكر الواحد مهما علمنا على تحقيبه زمنيا أو فكريا تتصل حلقاته من جوانب أخرى ثالثا. لذا فإن الشهيد الذي كان يعتبر ثمرة طيبة لمدرسة الحلة استطاع أن يؤسس مدرسة فقهية في جبل عامل ها خصائصها الفكرية والبيانية والمنهجية المميزة.
فقد كان لهذه المدرسة الفضل الكبير في تنقيح عبارات الفقه وإخراجها من الجمود السابق، وذلك بحكم كون مؤسس هذه المدرسة من الشعراء الأدباء.