وما تأسيس الإمام الصادق عليه السلام لمدرسته الكبرى التي تخرج منها أربعة آلاف عالم في مختلف أنواع العلوم والمعرفة إلا دليل بين على ما قدمته مدرسة أهل البيت، فإذا أردنا استقصاء جميع تلامذة الإمام عليه السلام ومن ثم أهم الأفكار والأصول التي كان يطرحها الإمام لرأينا عمق الامتداد والتأثير الذي مارسته هذه المدرسة على مختلف المذاهب والعلوم الإسلامية، وما تصريح بعض أقطاب المذاهب الإسلامية بفضل الإمام عليهم إلا دليلا لما قدمناه.
والعلم الذي أولاه أهل البيت عليهم السلام كثير اهتمام ودعوا الناس إلى تعلمه ودراسته هو علم الفقه فبه نظام معاشهم وصلاح معادهم، ولأنه قانون الشريعة الذي إن سار الناس على هديه ضمن لهم الفوز والنجاح في الدارين.
وإن أهم ما يميز الجانب الفقهي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام هو الحيوية الدائمة والعطاء الخصب والنمو الذاتي المستمر مما لا نجد له نظيرا في المدارس الأخرى التي تجمد فقهها عند مقطع زمني محدد يتجاوزه التاريخ باستمرار، أو عند آراء فقيه معين لا يتميز عن غيره بشئ.
لذا كان من الطبيعي أن يجتاز فقه آل البيت عليهم السلام بعدة أدوار فقهية، وكان لكل دور نوابغ من الفقهاء الزهاد والعلماء الأبرار الذين محصوا الأمور وبينوا الأحكام.
فابتدأت مسيرة الفقه الشيعي من بعد الغيبة الصغرى بمدرستي " القميين " و " والقدميين " اللتين سارتا بالفقه خطوات موفقة.
حتى جاء من بعدهم الشيخ المفيد (قدس سره) والذي له فضل كبير في حفظ الفقه الشيعي، حيث محص - رحمه الله - آراء القدميين المعتمدين على العقل، والقميين الذين اعتمدوا على الحديث، وخرج لنا بمدرسة متوسطة شاملة جامعة بين العقل والحديث.