حسا من وراء الدواة، ولا أفهم ما يكون معناه، تعريضا بنحافة جسم الشهيد رحمه الله.
فأجابه الشهيد على الفور: نعم، ابن الواحد لا يكون أعظم من هذا.
فخجل ابن جماعة وسكت، ولكنه أضمرها في نفسه، وأخذ يخطط للإيقاع بالشهيد.
واجتمع تخطيط ابن جماعة مع تخطيط التباع اليالوش، وكثرت وشاياتهم بالشهيد عند (بيدمر) حاكم الشام، وكان لهم ما أرادوا، فألقوا القبض على الشهيد، وحبس في مكان مظلم، ولما كانوا خائفين من سخط الطائفين عليهم قرروا الإسراع في الحكم عليه.
فقام أتباع اليالوش بتنظيم عريضة يشنعون فيها على الشهيد ويتهمونه بما هو منه برئ، ووقعها وشهد عليها سبعون رجلا، وأضيفت إليها شهادة ألف رجل من أتباع ابن جماعة وقدمت إلى قاضي المالكية، وهدد ابن جماعة القاضي المالكي بالعزل إن لم يحكم على الشهيد.
وعقد مجلس القضاء وحضره الملك بيدمر والقضاة وجمع من الناس، والشهيد بين أيديهم فنسبوا إليه التهم المذكورة في العريضة فأنكرها كلها ولكنه لم يقبل منه، وقيل له: قد ثبت ذلك شرعا وحكم الحاكم لا ينقض.
فقال الشهيد: الغائب على حجته، فإن أتى بما ينقض الحكم جاز نقضه وإلا فلا، وها أنا أطعن بكل شهادات الشهود، ولي على كل واحد حجة بينة، ولم يسمع منه ذلك، فقام القاضي المالكي، وتوضأ وصلى ركعتين ثم قال: قد حكمت بإهراق دمه.
وقد ظهر الحقد الدفين جليا واضحا بعد إعدام الشهيد، فإن الذين حكموا بإعدامه كشفوا عن سوء سريرتهم وخبث نفوسهم، فقد صلبوه ثم رموه بالحجارة ثم أحرقوا جسده.