معه، وأقواله بل أعماله وتقريراته كلها مبتنية على أساس الوحي الإلهي ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ (1).
وبعد فتور زمني طويل يزيد على قرن واحد أحس بعض أتباع المانعين من التدوين والرواية بضرورة حفظ سنة النبي (صلى الله عليه وآله) القولية والعملية، فأمروا شيعتهم بذلك فظهرت من بعد هذا الأمر الخليفي مدونات ومصنفات صغيرة وكبيرة ملأت الدنيا ودورها، فيها مرويات وأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه رواها الناس على فآتهم.
ولما كانت الغايات في رواية أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) مختلفة سطع نجم هوى الخليفة وكسب عطاياه في صدارة الغايات بعد أن أفلت الغايات الأخرى وخاصة الخالصة لوجه الله عز وجل، فظهر المكذبون والمزورون والمدلسون والوضاعون ولبسوا لباس راوية الحديث والمحدث والمفسر وغيرهم، ودونت كلمات في الكتب والمجاميع والسنن مما أتعبت فيما بعد علماء الرجال والتراجم وأئمة الحديث.
ومن المدونات التي فاق صيتها واسمها الآفاق، ونالت من المديح والاطراء الكثير: الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري 194 - 256 ه، والجامع الصحيح لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري 206 - 261 ه.
وقد اعتبر علماء أهل السنة هذين الكتابين أصح الكتب وأتقنها وأضبطها بعد القرآن، واعتمدوا عليهما تمام الاعتماد، واهتموا بهما غاية الاهتمام، حتى غالوا في إطرائهم عليهما وصححوا جميع ما ورد فيهما. والبعض أنزل صحيح البخاري منزلة العصمة، كالقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا يجوز نقده متنا وسندا.
فأما المتن قالوا: إنه خرج من شفتي النبي.
وأما سنده فقالوا: من أخرج له البخاري فقد جاز القنطرة.
ولكن بعض الحفاظ لما أمعنوا النظر ودققوا البصر في الصحيحين رأوا ما هو مبائن