وهذه الحقائق هي التي دفعت ابن أبي الحديد إلى القيام بالمقارنة والمقايسة بين سيرة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وسائر الخلفاء فقال:
وأما الرأي والتدبير: فكان (عليه السلام) من أسد الناس رأيا، وأصحهم تدبيرا، وهو الذي أشار على عمر بن الخطاب لما عزم على أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار، وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها، ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث.
وإنما قال أعداؤه: لا رأي له، لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه، وقد قال (عليه السلام): لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه، سواء أكان مطابقا للشرع أم لم يكن.
ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده، ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتظام أقرب ومن كان بخلاف ذلك، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب (1).