تلميذه، وعنه أخذ القرآن، فقد صار هذا الفن من الفنون التي تنتهي إليه أيضا، مثل كثير مما سبق.
وأما الرأي والتدبير: فكان من أسد الناس رأيا، وأصحهم تدبيرا، وهو الذي أشار على عمر بن الخطاب لما عزم على أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار. وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها، ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث. وإنما قال أعداؤه: لا رأي له، لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه. وقد قال عليه السلام: لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه، سواء أكان مطابقا للشرع أم لم يكن.
ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده، ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتظام أقرب، ومن كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب.
وأما السياسة: فإنه كان شديد السياسة، خشنا في ذات الله، لم يراقب ابن عمه في عمل كان ولاه إياه، ولا راقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به. وأحرق قوما بالنار، ونقض دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي، وقطع جماعة وصلب آخرين.
ومن جملة سياسته في حروبه أيام خلافته بالجمل وصفين والنهروان، وفي أقل القليل منها مقنع، فإن كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر مما فعل عليه السلام في هذه الحروب بيده وأعوانه.
* * * فهذه هي خصائص البشر ومزاياهم قد أوضحنا أنه فيها الامام المتبع فعله، والرئيس المقتفى أثره.
وما أقول في رجل تحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة، وتصور ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها،