حتى بكون مظهرا لأمر الله لا يرده عنه شئ، قال: فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه، وقيامه دونه، وامتناعه من أن يسلمه (إليهم ليقتلوه) مشى إليه رجال من أشراف قريش ذكر أسماءهم وهم ثمانية، فقالوا:
يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا وضلل آراءنا، فاما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه،. فقال لهم أبو طالب: قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله، ويدعو إليه، ثم شرق (ثم شرى) الامر بينه وبينهم (أي تزايد) تباعدا وتضاغنا (أي معاداة) حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينها، وتذامروا فيه، وحض بعضهم بعضا عيله، فمشوا إلى أبي طالب مرة ثانية، فقالوا: يا أبا طالب ان لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وانا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وانا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا، فاما ان تكفه عنا أو ننازله وإياك (أي نحاربكما) حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا، فعظم علي أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم تطب نفسه باسلام ابن أخيه لهم وخذلانه فبعث إليه، فقال يا ابن أخي إن قومك قد جاؤني فقالوا لي كذا وكذا للذي قالوا فابق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الامر ما لا أطيقه، قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قد بدا لعمه فيه بداء، وانه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه، فقال: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك، ثم استعبر باكيا وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب: أقبل يا ابن أخي، فاقبل راجعا فقال له اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ