من قطيعة وظلم: إلا المواضع التي فيها ذكر الله، فخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا طالب بذلك، ثم خرج أبو طالب ومعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته حتى صاروا إلى الكعبة فجلس بفنائها. وأقبلت قريش من كل أوب فقالوا: قد آن لك يا أبا طالب أن تذكر العهد وأن تشتاق إلى قومك وتدع اللجاج في ابن أخيك، فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم، فلعلنا أن نجد فرجا وسببا لصلة الأرحام وترك القطيعة، وأحضروها وهي بخواتيمهم فقال: هذه صحيفتكم على العهد لم تنكروها؟ قالوا: نعم، قال: فهل أحدثتم فيها حدثا؟ قالوا: اللهم لا، قال فان محمدا أعلمني عن ربه أنه بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صدقا ماذا تصنعون؟ قالوا: نكف ونمسك: قال: فإن كان كاذبا دفعته إليكم تقتلونه: قالوا قد أنصفت وأجملت: وفضت الصحيفة فإذا الأرضة قد أكلت كل ما فيها إلا مواضع بسم الله عز وجل. فقالوا: ما هذا إلا سحر، وما كنا قط أجد في تكذيبه منا ساعتنا هذه، وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم، وخرج بنو هاشم من الشعب وبنو عبد المطلب فلم يرجعوا إليه.
(قال المؤلف) رأيت في مطالعاتي لكتب التفسير عند ذكرهم الآية المباركة في سورة الأنعام آية (26) (وهم ينهون عنه وينأون) ذكروا أن الأبيات التي أنشدها أبو طالب عليه السلام كانت ثلاثة وزيدت عليها يد الكذب والظلم البيت الخامس أو البيت الأخير وهو: (لولا الملامة، الخ) فكثر عجبي من ذلك فلما راجعت تأريخ اليعقوبي فإذا الأبيات التي يذكرها ثلاثة ليس فيها البيت الرابع والخامس فتحقق لدي أن البيت الخامس من زيادة المحرفين من أعداء أبي طالب وأولاده، ويؤيد ما قلنا في الأبيات من أن البيت الأخير من زيادة الأعداء، ما خرجه العلامة الملك المؤيد