وأهل الوبر والأطراف، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته، وأعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا، وضعفاؤها أربابا، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها (1)، وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش كونوا له ولاة ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، ولأجلي تأخر، لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي.
(قال الحلبي) وفي رواية أو في لفظ آخر: أنه عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب، فقال لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره، فأطيعوه ترشدوا.
(قال المؤلف): هل تصدره هذه المواعظ والنصائح القيمة من غير المؤمن؟ وهل الايمان غير ما ذكره أبو طالب عليه السلام؟ وهل يأمر الناس باتباع من في اتباعه رشد وسعادة وهو يترك ذلك؟ وهل يأمر عشيرته باتباع ابن أخيه صلى الله عليه وآله ويقول: لا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، وهو يترك ذلك ويكون من الأشقياء؟ فهل من يعلم هذه المغيبات ويعلم ذلك علم اليقين وهو لا يقبل ذلك؟ (إن هو الا بهتان عظيم) صلى الله عليك يا أول مؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وأول مصدق به، وأول ناصر وحام لرسول الله صلى الله عليه وآله وهل الايمان إلا التصديق بالجنان، والاعتراف باللسان، والعمل بالأركان؟
فاما الاعتراف والتصديق بالجنان فقد صرح به عليه السلام، واما الاعتراف باللسان فقد اعترف به أيضا بتعبيرات مختلفة في موارد عديدة، تقدم