عليه وآله وسلم، وتمهيد الأمور له بنفسه خاصة من دون أهل بيته وأصحابه وعشيرته وأحلافه، وكانوا على منهاج قريش في الكفر، وكان أبو طالب لا يؤمن إذا أظهر إيمانه وأفشى إسلامه أن تتمالأ قريش عليه ويخذله حليفه وناصره، ويسلمه صميمه وصاحبه، فيؤدي فعله ذلك إلى إفساد قاعدة النبي صلى الله عليه وآله، والتغرير به، فكتم إيمانه استدامة لقريش على طاعته، والانقياد لسيادته ليتمكن من نصر النبي صلى الله عليه وآله، وإقامة حرمته، والاخذ بحقه، وإعزاز كلمته ولهذا السبب كان أبو طالب يخالط قريشا ويعاشرهم، ويحضر معهم مآدبهم، ويشهد مشاهدهم، وهو مع ذلك يشوب هذه الأفعال بتصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والحث على اتباعه، فلو أنه نابذ قريشا وأهل مكة، وقام بمنابذتهم، كانوا كلهم يدا عليه وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه كان يخادعهم، ويظهر لهم انه معهم، حتى تمت الرسالة، وانتشرت الكلمة، وشاعت الدعوة، ووضح الحق، وكثر المسلمون وصاروا عصبة أولي بأس ونجدة، وحتى شاع ذكره في الآفاق وجاءته الوفود، وعلم من لم يعلم بحاله، وعرفت اليهود مبعثه، ولذلك لما قبض أبو طالب اتفق المسلمون على أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله، وقال له ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن قومك قد عولوا على أن يبتوك، وقد مات ناصرك، فاخرج عنهم، وأمره بالمهاجرة (إلى المدينة المنورة).
قال السيد فخار بن معد في (الحجة على الذاهب ص 104) طبع أول بعد كلامه المتقدم: فتأمل إضافة الله تعالى أبا طالب رحمه الله إلى النبي عليه السلام وشهادته له انه ناصره، فان في ذلك لأبي طالب عليه السلام أوفى فخر، وأعظم منزلة، وقريش رضيت