فوافيته وأنا في غاية الوجل فقال: أليس أمرتك بصرف محمد بن سليمان الأزرق الأشقر. فقلت: قد عرفتك يا سيدي أنى ما استخدمت من هذه سبيله. ولا وقعت لي عليه عين. فقال لي: كذبت وهو معك في اصطبلك فأخرجه عن البلد الساعة، فانى رأيته في النوم أيضا وفى يده مكنسة وهو يكنس بها سائر دورى وحجري ونسأل الله الكفاية. فقلت للؤلؤ أي ذنب لي يا سيدي في الأحلام؟ فقال لي صدقت فاستتر إلى أن يتناسى الأمير ذكرك وكان يجرى على رزقي في كل شهر وأنا لا أعمل شيئا فلما تهيأ من إنفاذ لؤلؤ إلى الشام ما تهيأ نهضت معه وتخلف عنه كتابه لما كانوا علموا من تغيير حاله عند صاحبه فأدناني وقربني واجري على عشرة دنانير في كل شهر وحملني على دابة فلزمت خدمته ولقيته واستحمدت إليه فزادني من رأيه ولم ينتبه أحمد بن طولون من استيحاش لؤلؤ فكتب له بالرجوع إلى مصر، فشاورني فأشرت إليه بالانحدار إلى نواحي ديار مصر وأخذ كل ما استخف نيله من المال.
ولم أترك غاية إلا أتيتها في تضريته وتأليبه حتى أوردته مدينة السلام. ثم تقلبت بي الأحوال في خدمة السلطان وخدمة الدولة وتوفى أحمد بن طولون وحبس ابنه وقتل أبو الجيش وتولى بعدهم هارون بن خمارويه بن أحمد وضم لي القواد والرجال وكان فيهم لؤلؤ صاحبي وكان أصغرهم حالا، فلم أقصر في صلاح حاله والاحسان إليه ومعرفة حقه فلم ادن من الشام حتى تلقاني بدر الحمامي مطيعا، وتلاه طغج بن حف مسرعا وصرت إلى مصر فلما شارفتها وثب شيبان بن أحمد بن طولون ومن معه من جند مصر فقتلوا هارون وتولى شيبان الامر أياما وانثال إلى القواد في الأمان ولحق بهم شيبان وتخلف الرجالة وقطعة من الفرسان، وأظهروا الخلاف فأوقعت بهم وأفنيتهم قتلا وأسرا، ودخلت الفسطاط عنوة وحويت النعم والمهج وأشخصت الطولونية من البلد إلى الحضرة حتى لم يبقى فيها منهم أحد وصح بذلك منام أحمد بن طولون فسبحان الذي ما شاء فعل، وإياه نسأل خير ما تجرى به أقداره، وأن يختم لنا بخير رحمته.