ولا شدة أعظم من حصول طفل في بحر فكشف الله سبحانه ذلك عنه بالتقاط آل فرعون له، وما ألقاه في قلوبهم من الرأفة عليه حتى استحبوه، وحرم عليه المراضع حتى رده إلى أمه وكشف عنها الشدة في فراقه وعنه الشدة في حصوله في البحر. ومعنى قوله تعالى: (ليكون لهم عدوا وحزنا (1) أي يصير عاقبة أمره معهم إلى عداوته لهم وهذه لا العاقبة كما قال الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب * وكلكم يصير إلى ذهاب وقد علم أن الولادة لا يقصد بها الموت، والبناء لا يقصد به الخراب وإنما عاقبة الامر فيهما أن يصيرا إلى ذلك. وعلى الوجه الأول قوله تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس (2) أي عاقبة أمرهم وفعلهم واختيارهم لأنفسهم يصيرهم إلى جهنم فيصيرون لها، لا أن الله جل ثناؤه خلقهم لقصد تعذيبهم بالنار في جهنم عز الله تعالى عن الظلم. وقال عز وجل في تمام هذه القصة: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خافا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين (3) فهذه شدة أخرى كشفها الله تعالى عنه وقال سبحانه وتعالى: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون - إلى قوله - من خير فقير (4) فهذه شدة أخرى لحقته بالاغتراب والحاجة إلى الاضطرار في المعيشة والاكتساب فوفق الله له شعيبا عليه السلام وزوجه ابنته قال الله تعالى في تمام القصة: (فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف.
نجوت من القوم الظالمين (5) ثم أخبر الله تعالى في هذه القصة كيف زوجه شعيب ابنته بعد أن استأجره ثماني حجج، وانه خرج بأهله من عند شعيب فرأى النار فمضى ليقتبس منها فكلمه الله تعالى وجعله نبيا وأرسله إلى فرعون، فسأله أن