أن يقول الاستدامة غير مشترطة لأن كل شرط يعتبر في الاستدامة يعتبر في الابتداء، وقد يعتبر في الابتداء مالا يعتبر في الاستدامة. قال أبو الخطاب: إذا قلنا القبض شرط في الابتداء كان شرطا في الاستدامة وقال الشافعي استدامة القبض ليست شرطا لأنه عقد يعتبر القبض في ابتدائه فلم يشترط استدامته كالهبة، ولنا قول الله تعالى (فرهن مقبوضة) لأنها إحدى حالتي الرهن فكان القبض فيها شرطا كالابتداء ويفارق الهبة لأن القبض في ابتدائها يثبت الملك فإذا ثبت استغنى عن القبض ثانيا والرهن يراد للوثيقة ليتمكن من بيعه واستيفاء دينه من ثمنه فإذا لم يكن في يده لم يتمكن من بيعه ولم تحصل وثيقة وان أزيلت يد المرتهن لغير حق كغصب أو سرقة أو إباق العبد أو ضياع المتاع ونحو ذلك لم يزل لزوم الرهن لأن يده ثابتة حكما فكأنها لم تزل (فصل) وليس للمرتهن قبض الرهن الا باذن الراهن لأنه لا يلزمه تقبيضه فاعتبر اذنه في قبضه كالواهب، فإن تعدى المرتهن فقبضه بغير اذن لم يثبت حكمه وكان بمنزلة من لم يقبض وان اذن الراهن في القبض ثم رجع عن الاذن قبله زال حكم الاذن وان رجع عن الاذن بعد قبضه لم يؤثر رجوعه لأن الرهن قد لزم لاتصال القبض به، وكل موضع زال لزوم الرهن لزوال القبض اعتبر الاذن في القبض الثاني لأنه قبض يلزم به الرهن أشبه الأول. ويقوم ما يدل على الاذن مقامه مثل ارساله العبد إلى مرتهنة ورده لما أخذه من المرتهن إلى يده ونحو ذلك لأن ذلك دليل على الاذن فاكتفى به كدعاء الناس إلى الطعام وتقديمه بين أيديهم يجري مجرى الاذن في أكله {مسألة} قال (والقبض فيه من وجهين فإن كان مما ينقل فقبض المرتهن له أخذه إياه من راهنه منقولا، وإن كان مما لا ينقل كالدور والأرضين فقبضه تخلية راهنه بينه وبين مرتهنه لا حائل دونه وجملة ذلك أن القبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة فإن كان منقولا فقبضه نقله أو تناوله وإن كان أثمانا أو شيئا خفيفا يمكن قبضه باليد فقبضه تناوله بها، وإن كان مكيلا رهنه بالكيل أو موزونا رهنه بالوزن فقبضه اكتياله أو اتزانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سميت الكيل فكل " وان ارتهن الصبرة جزافا أو كان ثيابا أو حيوانا فقبضه نقله لقول ابن عمر كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه، متفق عليه. وإن كان الرهن غير منقول كالعقار والثمرة على الشجرة
(٣٧١)