معيقيب الدوسي والحكم وحماد ومالك والليث لما روي عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال بعه ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرا أخبره بذلك فقال له معمر لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلا بمثل فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل فإنه ليس بمثله قال إني أخاف أن يضارع. أخرجه مسلم، ولان أحدهما يغش بالآخر فكانا كنوعي الجنس ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد " وفي لفظ " لا بأس ببيع البر بالشعير، والشعير أكثرهما يدا بيد واما نسيئة فلا " وفي لفظ " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم " وهذا صريح صحيح لا يجوز تركه بغير معارض مثله، ولأنهما لم يشتركا في الاسم الخاص فلم يكونا جنسا واحدا كالتمر والحنطة ولأنهما مسميان في الأصناف الستة فكانا جنسين كسائرها، وحديث معمر لابد فيه من اضمار الجنس بدليل سائر أجناس الطعام، ويحتمل أنه أراد الطعام المعهود عندهم وهو الشعير فإنه قال في الخبر وكان طعامنا يومئذ الشعير، ثم لو كان عاما لوجب تقديم الخاص الصريح عليه، وفعل معمر وقوله لا يعارض به قول النبي صلى الله عليه وسلم، وقياسهم ينتقض بالذهب والفضة (فصل) في الحنطة وفروعها. وفروعها نوعان (أحدهما) ما ليس فيه غيره كالدقيق والسويق (والثاني) ما فيه غيره كالخبز والهريسة والفالوذج والنشاء وأشباهها. ولا يجوز بيع الحنطة بشئ من فروعها وهي ثلاثة أقسام (أحدها) السويق فلا يجوز بيعه بالحنطة وبهذا قال الشافعي، وحكي عن مالك وأبي ثور جواز ذلك متماثلا ومتفاضلا. ولنا أنه بيع الحنطة ببعض أجزائها متفاضلا فلم يجز كبيع مكوك حنطة بمكوكي دقيق ولا سبيل إلى التماثل لأن النار قد أخذت من أحدهما دون الآخر فأشبهت المقلية (القسم الثاني) ما معه غيره فلا يجوز بيعها به أيضا، وقال أصحاب أبي حنيفة يجوز ذلك بناء على مسألة مد عجوة وسنذكر الدليل على ذلك إن شاء الله تعالى (القسم الثالث) الدقيق فلا يجوز بيعها به في الصحيح وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد والثوري وأبي حنيفة ومكحول وهو المشهور عن الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه جائز وبهذا قال ربيعة ومالك وحكي ذلك عن النخعي وقتادة وابن شبرمة وإسحاق وأبي ثور لأن الدقيق نفس الحنطة وإنما تكسرت أجزاؤها فجاز بيع بعضها ببعض كالحنطة المكسرة بالصحاح، فعلى هذا إنما تباع الحنطة بالدقيق وزنا لأنها قد تفرقت أجزؤاها بالطحن وانتشرت فتأخذ من المكيال مكانا كبيرا والحنطة تأخذ مكانا صغيرا والوزن يسوي بينهما وبهذا قال إسحاق
(١٤٠)