ولنا أنه طلب حصته فكان له ذلك كما لو أوجب لكل واحد منهما منفردا وما ذكروه يبطل بهذه الصورة وان قال الحاضر أنا أدفع جميع الثمن ويدفع إلي جميع العبد لم يكن له ذلك، وقال أبو حنيفة له ذلك ولنا أن شريكه لم يأذن للحاضر في قبض نصيبه ولا للبائع في دفعه إليه فلم يكن لهما ذلك كما لو كانا حاضرين فإن سلم إليه فتلف العبد فللغائب تضمين أيهما شاء لأن الدافع فرط بدفع ماله بغير اذنه والشريك قبض مال غيره بغير اذنه فإن ضمن الشريك لم يرجع على أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه، وان ضمن الدافع رجع على القابض لذلك، ويقوى عندي أنه إذا لم يمكن تسليم نصيب أحد المشتريين إليه الا بتسليم نصيب صاحبه أنه لا يجوز التسليم إليه لما ذكرنا ههنا (فصل) ويستحب الاشهاد في البيع لقول الله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) وأقل أحول الامر الاستحباب ولأنه أقطع للنزاع وأبعد من التجاحد فكان أولى، ويختص ذلك بماله خطر فاما الأشياء القليلة الخطر كحوائج البقال والعطار وشبههما فلا يستحب ذلك فيها لأن العقود فيها تكثر فيشق الاشهاد عليها وتقبح إقامة البينة عليها والترافع إلى الحاكم من أجلها بخلاف الكثير وليس الاشهاد بواجب في واحد منهما ولا شرطا له روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وإسحاق وأبي أيوب، وقالت طائفة ذلك فرض لا يجوز تركه. روي ذلك عن ابن عباس وممن رأى الاشهاد على البيع عطاء وجابر بن زيد والنخعي لظاهر الامر، ولأنه عقد معاوضة فيجب الاشهاد عليه كالنكاح ولنا قول الله تعالى (فإن امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) قال أبو سعيد صار الامر إلى الأمانة (1) وتلا هذه الآية ولان النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعه واشترى من رجل سراويل ومن اعرابي فرسا فجحده الاعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت ولم ينقل انه شهد في شئ من ذلك، وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الأسواق فلم يأمرهم بالاشهاد ولا نقل عنهم فعله ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لما أخل بنقله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد ان يشتري له أضحية ولم يأمره بالاشهاد وأخبره عروة انه اشترى شاتين فباع إحداهما ولم ينكر عليه ترك الاشهاد، ولان المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها فلو وجب الاشهاد في كل ما يتبايعونه افضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) والآية المراد بها الارشاد إلى حفظ الأموال والتعليم كما أمر بالرهن والكاتب وليس ذلك بواجب وهذا ظاهر (فصل) ويكره البيع والشراء في المسجد، وبه قال إسحاق لما روى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب، ولان المساجد لم تبن لهذا ورأي عمران القصير رجلا يبيع في المسجد فقال هذه سوق الآخرة فإن أردت التجارة فاخرج إلى سوق الدنيا فإن باع فالبيع صحيح لأن البيع ثم بأركانه وشروطه ولم يثبت وجود مفسد له وكراهة ذلك لا توجب الفساد كالغش في البيع والتدليس والتصرية وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم قولوا " لا أربح الله تجارتك " من غير اخبار بفساد البيع دليل على صحته والله أعلم.
(٣١١)