ولذلك ملكت المرأة منع نفسها قبل قبض صداقها قبل تسليم نفسها ولم تملكه بعد التسليم، ولان للبائع منع المبيع قبل قبض ثمنه أو كونه بمنزلة المقبوض لامكان تقبيضه وإلا فلا، وكل موضع قلنا له الفسخ فله ذلك بغير حكم حاكم لأنه فسخ للبيع للاعسار بثمنه فملكه البائع كالفسخ في عين ماله إذا أفلس المشتري وكل موضع قلنا يحجر عليه فذلك إلى الحاكم لأن ولاية الحجر إليه (فصل) فإن هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر فللبائع الفسخ في الحال لأنه إذا ملك الفسخ مع حضوره فمع هربه أولى، وإن كان موسرا أثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم إن وجد الحاكم له مالا قضاه والا باع المبيع وقضى ثمنه منه وما فضل فهو للمشتري، وان أعوز ففي ذمته، ويقوى عندي أن للبائع الفسخ بكل حال لأننا أبحنا له الفسخ مع حضوره إذا كان الثمن بعيدا عن البلد لما عليه من ضرر التأخير فههنا مع العجز عن الاستيفاء بكل حال أولى ولا يندفع الضرر برفع الامر إلى الحاكم لعجز البائع عن اثباته عند الحاكم، وقد يكون البيع في مكان لا حاكم فيه والغالب أنه لا يحضره من يقبل الحاكم شهادته فإحالته على هذا تضييع لماله وهذه الفروع تقوي ما ذكرته من أن للبائع منع المشتري من قبض المبيع قبل إحضار ثمنه لما في ذلك من الضرر (فصل) وليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك في القبيحة، وقال في الجميلة يضعها على يدي عدل حتى تستبرأ لأن التهمة تلحقه فيها فمنع منها. ولنا أنه بيع عين لا خيار فيها قد قبض ثمنها فوجب تسليمها كسائر المبيعات وما ذكروه من التهمة لا يمكنه من التسلط على منعه من قبض مملوكته كالفبيحة ولأنه إذ كان استبرأها قبل بيعها فاحتمال وجود الحمل فيها بعيد نادر، وإن كان لم يستبرئها فهو ترك التحفظ لنفسه ولو طالب المشتري البائع بكفيل لئلا تظهر حاملا لم يكن له ذلك لأنه ترك التحفظ لنفسه حال العقد فلم يكن له كفيل كما لو طلب كفيلا بالثمن المؤجل {مسألة} قال (ولا يجوز بيع الآبق) وجملته أن بيع العبد الآبق لا يصح سواء علم مكانه أو جهله وكذلك ما في معناه من الجمل الشارد والفرس العائر وشبههما وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عمر أنه اشترى من بعض ولده بعيرا شاردا وعن ابن سيرين لا بأس ببيع الآبق إذا كان علمهما فيه واحدا وعن شريح مثله، ولنا ما روى أبو هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر رواه مسلم وهذا بيع غرر ولأنه غير مقدور على تسليمه فلم يجز بيعه كالطير في الهواء، فإن حصل في يد إنسان جاز بيعه لامكان تسليمه {مسألة} قال (ولا الطائر قبل أن يصاد)
(٢٧١)